وهي أن الواحد منا يستتر عن أعيان الناظرين من أصغر الآدميين، حتى أنه يستتر عن الطفل الصغير، ويستحي أن يواجهه أصغر الناس على معصيته ربه، ولا يستحي أن يواجه ربه بها، ولا يتحاشم أن يراه عليها عز وجل، ولا يستحي ممن هو أعظم من الآدميين، وهم ملائكة رب العالمين ومع ذلك يغفر الله له ولا يعذبه عليها في الحال، ولا يفضحه بها وهو يكرر المعصية لربه، والمخالفة لخالقه بمرأى منه ومن ملائكته في كل وقت وحين، ولو أن العبد في الشاهد عصا مولاه بحضرته وعلم أنه لا يتحاشم منه ولا من غيره لكان عنده أخف حكما من أن يعلم أنه لا يستحي منه في معصيته ويستحي من غيره في إساءته
وفي الخبر عنه أنه قال: (قال الله عز وجل وعزتي وجلالي وفاقة خلقي إيى إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما. ثم بكى قال الراوي: فقلنا: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال أبكي ممن يستحي الله منه ولا يستحي من الله) (1) وصدق إن هذا أمر يبكى منه ويستحيا من مثله، والعبد إذا نظر بعين البصيرة في حاله في معصيته وجدها تزيد على كل معصية في الشاهد باعتبارات كثيرة زائدة على ما ذكرنا فإن الذي ذكرناه تنبيه على عظم المعصية بذكر بعض مما به تعظم على وجه التمثيل والتصوير للعبد الذليل ليقيس على هذا المثال وينسج على هذا المنوال، ولعله أن يتضح للطالبين صغر الطاعات العظيمة في ضمن المعصية الواحدة بهذه الاعتبارات المذكورة وبأجناسها، والآن نشرع فيما كنا بصدده من الإرشاد إلى النجاة بتجنب المناهي المختصة بالجوارح والآلات، ومن الله سبحانه اسأل التوفيق والتسديد والعصمة والتأييد إنه حميد مجيد.
Página 26