اعلم أن تهذيب النفس وتطهيرها من الرذائل لا يقع إلا بترك المعاصي، والمعاصي إنما تقع بالجوارح، والجوارح الظاهرة سبع وهي العين والأذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل، فهذه الأعضاء هي التي يحدث منها الخير والشر، وبها يقع النفع والضر، وعليها قيم واحد وهو رئيسها وبسببه تصدر أفعالها وهو القلب، فإنه إذا صلح صلحت كلها، وإذا فسد فسدت بأجمعها، وهذه الأعضاء هي صاحب الإنسان وجليسه المساعد له في الأعمال، والملازم له في جميع الأحوال لا ينكتم منها عنه صغير ولا كبير، ولا يخفى عليها منه نقير ولا قطمير، وهي أعظم أعدائه يوم القيامة يوم الصاخة والطامة، تقف بين يدي ربها فتشهد بما كان من كسبها بلسان طلق خجل ذلق، وكلام فصيح منطلق قال تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}(1) وقال تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}(2) وقال في الختم على الألسنة بعد نطقها: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}(3).
Página 17