وإما أن يكون لسببٍ وعذرٍ من الأعذار الموجبة لترك الحج، من الخوف على النفس من القتل، أو الحبس، وغير ذلك من الأعذار، فهذا معذور، داخل في حكم من لا يستطيع إليه سبيلًا.
وقد أجاب صاحب المنار عن نفسه، وعن غيره من العلماء الذين تركوا الحج لشيء من الأسباب المانعة لذلك، ولا نظن بعلماء أهل الإسلام إلا الخير، وعدم الاستطاعة لشيء من الأعذار الموجبة لتركهم ذلك. والله أعلم.
ولو صدر من هؤلاء العلماء المصلحين على سبيل الفرض والتقدير ترك الحج مع الاستطاعة عليه، من غير عذر شرعي، لكان الفرض علينا طاعة الله ورسوله، بترك تقليدهم فيما لا ينبغي تقليدهم فيه من معصية الله ورسوله، لأن طاعتهم في معصية الله ورسوله من العبادة التي ذَمَّ الله بها النصارى في قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] الآية.
وتفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحله، كما ثبت ذلك في الصحيح ١ عن عدي بن حاتم ﵁ قال: "دخلت على النبي ﷺ وهو يتلو هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١]
_________
١ـ هكذا عزا المؤلف – رحمه الله تعالى – هذا الحديث إلى الصحيح وهو سبق قلم منه. فإن الحديث ليس في الصحيح ولا في أحدهما.
والحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما. وحسّنه شيخ الإسلام في كتاب الإيمان وقد تقدم بحث هذا الحديث في الرسالة الأولى من هذه السلسلة، فليراجع.
1 / 50