فأزال عنه الشبهة من الوجه الذي يعلم أنه يفهمه.
وروي أن النبي ﷺ قال: "لا عدوى ولا هامة ولا صفر"، فقال له أعرابي كالمعترض عليه: فما لنا نرى الإبل كالضباء فتكون النقبة بمشفر البعير فتجرب الإبل عن آخرها؟ فقال النبي ﷺ: "فما أجرب الأول" (^١). فقمعه بالحجة من حيث علم زوال الشبهة عنه، ولم يقتصر على قوله إن الله يخلق الداء.
وقد أدخلت المعتزلة (^٢)، والقدرية (^٣) على الإسلام وأهله شبها في الدين ليموهوا بها على العوام، ومن لا خبرة له بأصولهم التي بنوا عليها أقوالهم، فاتبعوا متشابه القرآن وأولوا القرآن على خلاف ما نقل عن الصحابة والتابعين المشهورين بالتفسير، لينفقوا (^٤) بذلك أقوالهم، فهم أشد الفرق ضرار على أصحاب الحديث، ثم بعدهم الأشعرية (^٥). لأنهم أظهروا
_________
(^١) أخرجه خ. كتاب الطب (ب. لا صفر ٧/ ١١١ وب. لا هامة) ٧/ ١١٧ - ١١٩، م. كتاب السلام (ب. لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) ٤/ ١٧٤٢ من حديث أبي هريرة ﵁ وفي بعض ألفاظه زيادة قوله: "ولا طيرة".
(^٢) سبق التعريف بهم في الدراسة.
(^٣) هذا في النسختين بالعطف في جميع المواطن التي جمع فيها بين ذكر المعتزلة والقدرية في الكتاب، وقد جاءت بدون العطف في عنوان الكتاب وهو الصواب، لأن المعتزلة قدرية ويلقبون بكلا اللقبين، إلا أن يكون مقصود المؤلف ﵀ بالقدرية تلقيب الزيدية بهذا اللقب، لأن الكتاب في الرد على القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام الزيدي، وذكر المصنف للزيدية بهذا اللقب قليل جدا بل نادر في الكتاب والله أعلم.
(^٤) أي ليروجوا، كقوله ﷺ في حديث أبي ذر ﵁: "والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، م. الإيمان ب (غلظ تحريم الأزار) ١/ ١٠٢.
(^٥) الأشعرية هم المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري الذي كان معتزليًا ثم رجع عن الاعتزال وأخذ بقول ابن كلاب في العقيدة وألف فيها، ثم رجع بعد ذلك إلى عقيدة السلف وأصحاب الأثر في أظهر معالمها، وذكر في كتابه مقالات الإسلاميين عقيدة أصحاب الحديث، ثم ذكر عقبها أنه يقول بكل قولهم وهي التي أرودها أيضا في كتابه الأخير - الإبانة - حيث شرح فيه عقيدة الإمام أحمد ﵀ والأشعرية هم الذين تابعوه في قوله بقول ابن كلاب، وهم يثبتون لله سبع صفات، وهي: العلم والحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام - إلا أنهم يزعمون أنه كلام نفسي ويؤولون بقية الصفات الواردة في القرآن والسنة - كالعلو والاستواء والوجه واليدين والرضا والحب والغضب وغير ذلك.
وهم من المرجئة في الإيمان لأنهم زعموا أنه التصديق فقط وأن الأعمال ليست منه، وسيأتي رد المصنف عليهم في عدة مواطن من الكتاب. انظر: ترجمة الأشعري في سير أعلام النبلاء ١٥/ ٨٥، البداية والنهاية ١١/ ٢١٠. وانظر: أقوال الأشعرية في الملل والنحل بهامش الفصل ١/ ١١٩ - ١٣٧، أصول الدين. ص ٩٠ - ٩٣ وص ٣٠٩ - ٣١٠ الفرق بين الفرق. ص ٣٣٤ رسالة في الذب عن أبي الحسن مطبوعة مع الأربعين في دلائل التوحيد. ص ١٠٧ - ١٣٢، أبو الحسن الأشعري وعقيدته. ص ٨ - ١٦، مقالات الإسلاميين ١/ ٣٤٥ - ٣٥٠.
1 / 95