وأخرج الإمام أبو حاتم محمد بن حبان في كتابه (المسند الصحيح) -كما حدثناه الشيخ الحافظ عبد المغيث بن زهير الحربي -رحمه الله-، قال: أنبأنا محدث خراسان زاهر بن طاهر، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن علي البحاثي، قال: حدثنا محمد بن محمد بن هارون الزوزني، قال: أخبرنا إمام الأئمة أبو حاتم محمد بن حبان البستي، قال: أنبأنا [عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا أحمد بن عيسى المصري، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا] ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق الأجدع، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فخرجنا معه حتى انتهينا [إلى] المقابر، فأمرنا فجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها، [فجلس إليه]، فناجاه طويلا، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل علينا فتلقاه عمر -رضي الله عنه- فقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله فقد أبكيتنا وأفزعتنا؟ فأخذ بيد عمر، ثم أقبل علينا فقال: ((أفزعكم بكائي؟)) قلنا: نعم، فقال: ((إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب، وإني سألت ربي الاستغفار لها فلم يأذن لي، فنزل علي: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة، فذلك الذي أبكاني. ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها، فإنها تزهد في الدنيا، وترغب في الآخرة)).
فموضع الاستدلال من هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم منع هو وأمته من الاستغفار للمشركين الذين تبين لهم [من] موتهم على الشرك أنهم من أصحاب الجحيم، ولا معنى للاستغفار لقوم أخبر الله تعالى عنهم أنه لا يغفر لهم، لقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. ويشهد لصحة ما ذكرنا الآية الثانية: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}. فدل على أن الاستغفار لأهل الإيمان مشروع غير ممنوع، قال الله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} الآية، ولولا أن هذه الجملة نافعة لقائلها وللمذكورين ما أثنى الله تعالى عليهم بقولها. ولا محيد عن تسليم هذا، وإن قال المسلم: إنما سلمت لأن هذا دعاء وهو قرآن من غير خلاف، فإذا قرأها قارئ أجر بقراءتها السابقون بالإيمان إذ هي دعاء وهي قرآن.
ثم إن أفعال المكلفين قسمان:
- استغفار لخوف العقاب.
- وفعل طاعة طمعا في الثواب.
Página 70