«الإشاعة» . فإذا أصبح الناس ورأوا جثة الرجل الأول في الدولة جعفر البرمكي مصلوبة على جسرى بغداد فلا بد من تعليل وسبب ولا بد من سبب أكبر من إطلاق سراح علوي دون علم الرشيد وهنا جنح الخيال إلى «الشرف» فربطوا مقتل البرمكي بالعباسة واختلفوا لذلك قصة «رومانتيكية» ترضى الفضول وتشبع التطلع. وابن العمراني لم يختلق هذه الإشاعات وإنما وجد غيره من المؤرخين من روى مثل هذه فنقلها عنهم إلا أنه أضفى على الحادثة شيئا من خياله دون أن يخل بها فجاء أسلوبه سهلا حلوا يغرى القارئ بمتابعته.
لا يمكننا أن نقول أن ابن العمراني قد اتبع نظاما معينا يصدق على مؤرخ آخر.
ومع هذا فإننا لا نشك في أنه نقل من تاريخ الطبري والأغاني وتاريخ بغداد وغيرها إلا أنه لم يحاول أن يقلد أيّا من هؤلاء في طريقة عرضه وأسلوب روايته. ولا نشك مرة أخرى في أن جزءا كبيرا من هذا التاريخ نقله ابن العمراني من ذاكرته، ولا بأس أن نورد شيئا من ذلك ونقارنه بما سبقه وقد ذكرت الكثير من ذلك في التعليقات.
(١) جاء في تاريخ بغداد ١٤/ ١٠ ما نصه:
«وبعد أن أنشد إسحاق الموصلي قصيدته للرشيد قال: لا تخف إن شاء الله يا فضل أعطه مائة ألف درهم، للَّه درّ أبيات تأتينا بها ما أحسن فصولها وأثبت أصولها.
فقلت: يا أمير المؤمنين كلامك أجود من شعرى، قال: يا فضل أعطه مائة ألف أخرى» .
وجاء في كتاب الإنباء، ورقة ٢٣ أ- ٢٣ ب من مخطوطة لايدن ما نصه:
«فقال لي: لا كيف للَّه درك وللَّه در أبيات تجيء بها ما أحكم أصولها وأحسن فصولها وأقل فضولها. ثم قال: أعطوا أبا محمد مائة ألف درهم. فقلت: يا أمير المؤمنين يحرم عليّ أخذ الجائزة قال: ولم؟ قلت: لأنك مدحتني بأكثر مما مدحتك فكيف يحلّ لي أخذ الجائزة؟ وكلامك والله أحسن من شعرى. فقال: وهذا الكلام والله منك أحسن من شعرك ومن مدحى لك، أعطوه مائة ألف أخرى» .
1 / 26