El Imperio Islámico y los Lugares Sagrados
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Géneros
ولما اختار الله رسوله، وخلفه أبو بكر على المسلمين، سار سيرته في المساواة بين الناس وفي تنفيذ فكرة الاشتراكية الإسلامية تنفيذا دقيقا، كانت الزكاة تجمع إلى بيت مال المسلمين، فينفق منها ومن الصدقات والمغانم على شئون الدولة فيما يصلح الجيوش وغيرها، فإذا بقي بعد ذلك شيء قسم بين المسلمين بالسوية، لا يميز منهم حر على عبد، ولا يميز عربي على أعجمي.
وقد اكتشف منجم للذهب على مقربة للمدينة في أراضي بني سليم، فسار أبو بكر في تقسيم الذهب المستخرج منه مسيرته في تقسيم ما بقي من الزكاة وأخماس الفيء والغنائم، فكان يسوي في قسمته بين السابقين الأولين والمتأخرين في الإسلام وبين الحر والعبد والذكر والأنثى. وقيل له: «ألا تقدم أهل السبق على قدر منازلهم؟» فكان جوابه: «إنما أسلموا لله ووجب أجرهم عليه، يوفيهم ذلك في الآخرة، وإنما هذه الدنيا بلاغ.»
هذه النزعة الجديدة إلى الاشتراكية لم تكن مألوفة عند العرب، ولذلك كانوا يعترضون على أبي بكر في مساواته هذه في التوزيع بين المسلمين. وكان أبو بكر يحتج بسنة رسول الله، ويجعل الإخاء والمساواة أساسين جوهريين لنظام هذه الحياة الدنيا كما أنهما ركنان من أركان الإيمان بالله، ومن الأسس التي تقوم عليها عبادته جل شأنه.
الاشتراكية في عهد عمر
ومثل هذه المبادئ الناشئة في جمعية من الجمعيات الإنسانية تتأثر في أحيان كثيرة بميول الجمعية؛ ولهذا عدل عمر بن الخطاب عن سنة أبي بكر في توزيع الصدقات، وفي توزيع الخمس الذي لبيت المال في الغنائم والفيء، فقارب العرب في ميولهم لأنه كان متفقا معهم فيها. من ذلك أنه فضل السابقين إلى الإسلام في توزيع ما للمسلمين من حق في بيت المال على غيرهم، كما فضل نساء النبي أمهات المؤمنين ، ثم فضل أهل بيت النبي وذوي قرابته.
ولم يبدأ عمر بهذا التفضيل لأول ما تولى إمارة المسلمين، فقد اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس حتى تم له فتح العراق، عند ذلك شاور الناس في التفضيل ورأى أنه الرأي. وكان يقول: «لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه.» لذلك فرض لكل من السابقين الذين شهدوا بدرا من المهاجرين والأنصار خمسة آلاف، وفرض لمن لم يشهد بدرا من هؤلاء أربعة آلاف، وفرض لكل واحدة من نساء النبي اثني عشر ألفا، وفرض للعباس عم رسول الله اثني عشر ألفا، وفرض لكل من الحسن والحسين خمسة آلاف، وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ألفين، وفرض لمن دون هؤلاء فروضا تختلف وتنزل إلى ستمائة درهم وأربعمائة درهم ومائتي درهم.
على أن عمر قد أقام على رأي أبي بكر في أمر الأرض، فلم ير قسمتها بين المسلمين على أنها غنيمة غنموها، ولقد كتب إلى سعد بن أبي وقاص حين فتح العراق يقول، بعد أن أمره أن يقسم المال بين من حضر من المسلمين: «واترك الأراضي والأنهار لعمالها، فإنك إن قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء.» وإنما قصد بذلك أن تبقى الأرض وما عليها من الرجال للدولة، يأخذ الرجال مقابل عملهم، وتأخذ الدولة سائر غلتها لتضمه إلى بيت المال، فتتصرف فيه تصرفها في بيت المال.
تطورات جديدة
ظل التطور بعد عهد عمر والخلفاء الراشدين يطرد متأثرا بالفتوح وبالنظم القائمة في البلاد التي فتحها الله للمسلمين، وكان اطراد هذا التطور يقتضي تغير الأوضاع الفقهية للملك والخراج والزكاة والصدقة؛ فأنت ترى في بعض الأحيان ما يساير الأفكار التي يقول بها أصحاب مذهب اشتراكية الدولة من أنصار اشتراكية العهد الحديث، وترى في أحيان أخرى نظما تكاد تتفق وما كان في عهود الإسلام الأولى، على أن المسلمين في كل العهود قد اعتبروا طائفة من الحقوق التي تقررها المذاهب الاشتراكية فوق الجدل، فكما كانوا يبنون المساجد للعبادة ويرونها حقا مشتركا للجميع لا ينازع فيه منازع، كانوا يبنون المدارس للجميع يتعلمون فيها بلا مقابل، ويرون التعليم حقا مشتركا للجميع لا ينازع فيه منازع، وكانوا يقيمون موارد للماء يشرب منها كل ظامئ، وكانوا يعتبرون هذا كله وما إليه حقا مسلما به لذوي الحق في الصدقة ممن ورد النص عليهم في آيات القرآن الكريم، كما كانت الصدقة فريضة تعبدية يؤديها ذوو اليسار شكرا لله على ما رزقهم هذا اليسار، والتماسا منه جل شأنه أن يحفظه عليهم وأن يزيدهم منه.
واعتبار الصدقة فريضة تعبدية، وجعل ما في بيت مال المسلمين منها حقا مقررا لمن فرضه الإسلام لهم، هو الذي يؤكد معنى الاشتراكية على ما فهمها في العصر الأول، وعلى ما طبقوها في عهود الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم. (4) الأمم الإسلامية في العصر الحديث
Página desconocida