El Imperio Islámico y los Lugares Sagrados
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Géneros
كانت أموال خديجة أم المؤمنين طائلة، وكان رسول الله يتصرف فيها كما يشاء. ولقد أنفقها جميعا على المسلمين، فلم يكن له منها حين الهجرة شيء. وكان أبو بكر قد جمع من التجارة أربعين ألف درهم قبل إسلامه، ومع أنه ظل يتجر بعد أن أسلم، فيجني من التجارة وافر الربح، فقد كان كل ماله يوم هاجر إلى المدينة خمسة آلاف درهم. وأنفق عثمان بن عفان لخير المسلمين صدقات يخطئها العد.
ولما قاطعت قريش رسول الله وأصحابه، وأكرهتهم على أن يقيموا بشعاب الجبل ثلاث سنوات متعاقبة لا يتصلون بسائر أهل مكة في تجارة، كان الفقراء يأكلون من مال ذوي اليسار، لا يحاسبهم أحد، وذوو اليسار هؤلاء مطمئنون إلى أن الله سيجزيهم عن بذلهم لإخوانهم أوفى الجزاء.
فلما هاجر المسلمون إلى المدينة، وبدأ رسول الله يعلن إلى أهلها تعاليم الإسلام، كان الإخاء الإسلامي حجر الأساس في دعوته إلى الدين الجديد والحضارة الجديدة. وكان هذا هو الدليل على أن تعاليم مكة لم يدع إليها اضطهاد المشركين للذين أسلموا، ولذلك لم يكن الاضطهاد سبب ما رأيت من إخاء وبذل واشتراكية، فلقد ظلت تعاليم محمد بمكة قائمة على الأساس الذي نادى به منذ اليوم الأول، أساس الإخاء الصادق، فلا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وحتى يصل به هذا الإخاء إلى غاية البر والرحمة من غير ضعف ولا استكانة.
سأل رجل من أهل المدينة محمدا: «أي الإسلام خير؟» فأجابه: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.» وكان رسول الله يرى الفقر فخره، ويرى في ادخار المال ما لا يتفق ومقامه من الرسالة.
كان عنده أول ما اشتد به المرض الذي أعقبته وفاته سبعة دنانير، خاف أن يقبضه الله إليه وما تزال باقية عنده، فأمر أهله أن يتصدقوا بها، لكن اشتغالهم بمرضه أنساهم تنفيذ أمره، وسأل عنها قبيل وفاته، فلما ذكرت عائشة أنها ما تزال عندهم، طلب إليها أن تحضرها ووضعها في كفه، وقال: «ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه.» ثم تصدق بها على فقراء المسلمين.
ولما تمت هجرة المسلمين من أهل مكة إلى المدينة، فانصرف تفكير الرسول إلى تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم، كان أول ما صنعه أن دعا المهاجرين والأنصار جميعا ليتآخوا في الله أخوين أخوين، ثم جعل لهذا الإخاء حكم إخاء الدم والنسب. ولقد أبدى الأنصار في هذا الموقف من حسن الإيمان ما جعلهم يعرضون على المهاجرين أن يشاركوهم أموالهم، لكن المهاجرين أبوا أن يعيشوا كلا على إخوانهم، ثم كانوا يجدون في الجهد للعيش من الطمأنينة لأنفسهم ولعقيدتهم ما لم يكونوا يجدونه بمكة.
فأما الذين لم يجدوا عملا، أو لم يكونوا يستطيعونه، فأولئك أفرد لهم الرسول مكانا مسقوفا بالمسجد هو صفته يبيتون به ويأوون إليه، ولذلك سموا أهل الصفة، وجعل لهم رزقا من مال المسلمين الذين آتاهم الله رزقا حسنا. وهذا بعض الاشتراكية الإسلامية، وهو يتفق مع ما يقع اليوم حين حدوث بطالة بين العمال في الأمم المتمدينة.
وقبل أن أنتقل إلى تطبيق الاشتراكية الإسلامية في عهد أبي بكر أذكر ما حدث حين قسمة النبي في «حنين»، فقد كان الخمس من الفيء والغنائم يرد إلى رسول الله بحكم القرآن. على أن رسول الله رأى في أعقاب حنين أن يتألف خصومه من أهل الطائف وغيرهم بأن يرد إليهم ما غنمه المسلمون منهم.
وأخذ هؤلاء المؤلفة قلوبهم من الفيء شيئا غير قليل، فخشي المسلمون أن تنقص قسمتهم من الفيء إن أفشى محمد هذه الأعطيات، لذلك ألحوا في أن يأخذ كل فيئه وتهامسوا بذلك. فلما بلغ التهامس النبي، وقف إلى جانب بعير فأخذ وبرة من سنامه، فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها وقال: «أيها الناس، والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم.» وهذه العبارة الأخيرة: «الخمس مردود عليكم» تنطوي على معنى من معاني الاشتراكية لا يفوت أحدا.
تطبيق الاشتراكية في عهد أبي بكر
Página desconocida