148

غذاه ، ولا دفع أذى ، ولا استجلاب منفعة ، ولا دفع مضرة ، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات ، فلا يزال ذلك غذاءه حتى اذا كمل خلقه واستحكم بدنه ، وقوي أديمه (1) على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بامه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد ، واذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امه الى ثديها ، فانقلب الطعم واللون الى ضرب آخر من الغذاء ، وهو أشد موافقة للمولود من الدم ، فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلبا للرضاع ، فهو يجد ثدي أمه كالأداوتين (2) المعلقتين لحاجته إليه ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء لين الأعضاء ، حتى اذا تحرك واحتاج الى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوى بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ، ليمضغ بها الطعام فيلين عليه وتسهل له إساغته ، فلا يزال كذلك حتى يدرك ، فاذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعز الرجل الذي يخرج به من حد الصبي وشبه النساء ، وإن كانت انثى يبقى وجهها نقيا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل وبقاؤه.

اعتبر يا مفضل فيما يدبر الانسان في هذه الأحوال المختلفة ، هل ترى يمكن أن يكون بالإهمال؟ أفرأيت لو لم يجر إليه ذلك الدم وهو في الرحم ، ألم يكن سيذوي ويجف كما يجف النبات اذا فقد الماء؟ ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ، ألم يكن سيبقى في الرحم كالموؤد في الأرض؟ ولو لم يوافقه اللبن مع ولادته ، ألم يكن سيموت جوعا أو يغتذي بغذاء لا يلائمه ولا يصلح عليه بدنه؟

Página 151