يبغضونه فأخذوا عليه الشهود أنه زنا وآتوا عمر فأحضره من الكوفة فشهد عليه واحد منهم فقال عمر لمغيرة قد ذهب ربعك فلما شهد اثنان قال قد ذهب نصفك فلما شهد الثالث قال قد ذهب ثلاثة أرباعك فلما بلغ نوبة الشهادة إلى الرابع أدى الشهادة بهذه الصيغة إني رأيته مع المرأة في في ثوب ملتحفين به وما رأيت العضو في العضو كالمرود في المكحلة فسقط الحد عن المغيرة فقال المغيرة يا أمير المؤمنين انظر كيف كذبوا علي فقال عمر اسكت فلو تم الشهادة لكان الحجر في رأسك هذا رواية الثقاة ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة وذكره البخاري في تاريخه وابن الجوزي وابن الخلكان وابن كثير وساير المحدثين وأرباب التاريخ في كتبهم وعلى هذا الوجه هل يلزم طعن وأما على رواياته فليس فيه طعن أيضا لأنه إن لوح إلى الشاهد بترك الشهادة فهذا مندوب إليه لأن الإمام يجب عليه در الحد بالشبهات وله أن يندب الناس بإخفاء المعاصي كيف لا وقد قال الله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد الآية وأما تفضيح الثلاثة لأنهم فضحوا أميرا من امرأ الإسلام وكان عمر يعرف غرضهم ومع ذلك أجرى عليهم حد القذف فلا طعن انتهى وأقول الرواية التي نسبها إلى المعتمدين إنما هي من مخترعاته لأنه سيذكر أنه نقله من تاريخ الطبري وأنا أحلف بالإيمان المغلظة إنه لم ير تاريخ الطبري الشافعي المعتبر بين علماء أهل السنة الذي وصفوه بأنه عشرين مجلدات ولعله أراد التاريخ الفارسي المتداول المشهور بين الناس بأنه تاريخ الطبري ولا اعتداد به يؤيد كذبه في نسبة هذه الرواية إلى المعتمدين أنه نسب ذكره إلى تاريخ ابن خلكان أيضا وذلك التاريخ خال عن ذكر أحوال الصحابة وإنما فيه من بعدهم ولهذا سماه بوفيات الأعيان على أنه لو كان هناك رواية أحق بالاعتبار مما نقله المصنف لذكرها قاضي القضاة وتكلم على رواية المصنف ولم يحتج إلى تأويل الرواية بما لا يسمن ولا يغني من جوع وأما ما ذكره من أن الإمام يجب عليه در الحد بالشبهات ففيه أن المراد بالشبهة التي تدر بها الحدود هو الاشتباه الذي ربما يحصل لفاعل الفعل المشتبه بالحرام كما إذا وطئ رجل امرأة أجنبية كانت نائمة مع زوجته في ليلة مظلمة ولم يعلم بذلك فاشتبه عليه الحال ولم ينقل عن مغيرة دعوى شبهة محتملة في ذلك وشبهة عمر في أن ذلك الفعل هل وقع من المغيرة أولا مدخل له في در الحد في ربط لذكر در الحد بالشبهات بهذا المقام والاستدلال به على أن منع الشاهد كان مندوبا إليه وأما قوله وله أن يندب الناس بإخفاء المعاصي فغير مسلم وإلا لانسد باب الجرح والتعديل ولصاروا الناس عن كيد الفساق في عويل وكتب أسماء الرجال كميزان الاعتدال وغيره مما اشتمل على الجرح والتعديل أقوى شاهد على ما ذكرنا وأتم دليل وأما استدلال الناصب على ندبية إخفاء المعاصي بقوله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة الآية فلا يتم إلا إذا علم أن الجماعة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا لم يشهدوا عليه بذلك محبة لله تعالى وقصدا إلى إقامة حدوده وحفظا للمسلمين عن كنود ذلك الكنود والاقتداء به في الصلاة والسجود بل فعلوا ذلك بمجرد حب شيوع الفاحشة والتورط في المعاداة والمناقشة ومن أين علم عمر أو هذا الشقي من أولياءه أن الشهود كانوا على الوجه الثاني دون الأول وأما قوله إن تفضيح الشهود الثلاثة إنما كان لتفضيحهم أميرا من الأمراء الإسلام فهو كلام في غاية الفضاضة والشناعة لأن تفضيح أمير من امرأ الإسلام إنما يكون منكرا لو كان على وجه يخالف قانون الإسلام وظاهر حال الشهود الأربعة وموافقتهم على الشهادة أولا إنهم كانوا قاصدين لإقامة حدود الله وأحكامه كما هو ظاهر حال ساير الشهود فلا ذنب على الثلاثة منهم لو خالفهم الشاهد الرابع بتعليم عمر وأما قوله وكان عمر يعرف غرضهم فمن قبيل الرجم بالغيب والرمي في الظلام بل فيه إثبات علم الغيب لعمر مع نفيه سابقا عما سوى الله تعالى فتذكر ثم لا يخفى أن الناصب أغمض عن جواب ما نقله المصنف عن عمر آخرا من أنه كلما كان رأي المغيرة قال خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء لأنه صريح في اقتضاء التندم والتأسف على تفريط وقع عنه في در الحد عن مغيرة ولا مجال للتأويل فيه فتأمل قال المصنف رفع الله درجته ومنا إنه كان يتلون في الأحكام حتى روى أنه قضى في الحد بسبعين قضية وروى مائة قضية وإنه كان يفضل في الغنيمة والعطاء وقد سوى الله تعالى بين الجميع وأنه قال في الأحكام من جهة الرأي والحدس والظن انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أما تلونه في الأحكام فإن صح فإنه من باب تغير الاجتهادات وهو كان إماما ولم يتقرر الأحكام الاجتهادية بعد في زمانه وقد علم علما يقينا إنه كان لا يعمل برأي إلا بمشاورة الصحابة وأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه قد كان بتغير اجتهاده كما في أم الولد أنه قال اجتمع رأيي ورأي عمر في أم الولد أن لا تباع وأنا اليوم أقول ببيعهن والمجتهدون لا يخلون عن هذا وأما التفضيل في العطاء فهذا أمر يتعلق برأي الإمام والنبي (ص) أعطى صناديد العرب في غنايم حنين مائة واعترض عليه ذو الخويصرة الخارجي كما يعترض هذا الرافضي على عمر وأما الأحكام من جهة الرأي والحدس والظن فهو من شأن المجتهد والفقه من باب الظنون انتهى وأقول يتوجه عليه أولا ما مر أنه لا يجوز على الإمام الاجتهاد كما لا يجوز على النبي (ص) فضلا عن الخطأ فيه ولو سلم فإنما يصح في حكم لا يكون فيه عمر منصوص من الله ورسوله فإن الواجب في حد الشرب بمقتضى النص أربعون ضربة إن كان الشارب المكلف حرا وإلا فنصفه وكذا الحكم في الغنيمة فإن مراد المصنف من التفضيل في الغنيمة والعطاء الذي فعله خلافا على الله ورسوله هو التفضيل العرب العجم والمهاجر على الأنصار من حيث هو عرب ومن حيث هو مهاجرا وما سيذكره المصنف من أن النبي (ص) أعطى صناديد العرب في غنايم حنين مائة مائة لم يكن من إحدى تينك الحيثيتين بل لم يكن هناك تفضيل من رسول الله (ص) لما روي أنه (ص) أعطى صناديد قريش ما أعطى ولم يعط أحدا من المهاجرين والأنصار وإعطاؤه للمؤلفة أيضا كان من هذا القبيل لا لقصد التفضيل وأما ما ذكره من أن عمر كان لا يعمل برأي إلا بمشاورة الصحابة فهو مما يكذبه ما مر من حكمه برجم المجنونة والحاملة خطأ من غير تدبر ومشورة بأحد وليقل الناصب إن تفضيل العرب على العجم والمهاجر على الأنصار المخالف لسيرة رسول الله (ص) بمشورة أي صحابي كان وأما ما ذكره من أن أمير المؤمنين (ع) كان قد يتغير اجتهاده كما في أم الولد إلى آخره فمدفوع بما مر من أن الإمام لا يجوز عليه الاجتهاد فضلا عن تغير اجتهاده وخطائه فيه فلو وقع في ذلك خبر كان من موضوعات زمان بني أمية ولو صح فهو محمول على أن الحكم المذكور كان من مفردات عمر فلما وصلت النوبة إلى علي (ع) أراد تغييره جعل نفسه شريكا مع عمر في ذلك الحكم السابق حتى لا ينكر عليه
Página 242