المال لشبهة إنه رأى النبي (ص) زوج فاطمة (ع) بخمسمائة درهم فقامت امرأة إليه ونبهته بقوله تعالى وأتيتم إحداهن قنطارا على جواز ذلك فقال كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت وإعذار قاضي القضاة بأنه طلب الاستحباب في ترك المغالاة والتواضع في قوله كل الناس أفقه من عمر خطأ فإنه لا يجوز ارتكاب المحرم وهو أخذ المهر وجعله في بيت المال لأجل فعل مستحب والرواية منافية لأن المروي أنه حرمة ومنع حتى قالت المرأة كيف تمنعنا ما أحله الله لنا في محكم كتابه وأما التواضع فإنه لو كان الأمر كما قال عمر لاقتضى إظهار القبيح وتصويب الخطأ ولو كان العذر صحيحا لكان هو المصيب والمرأة مخطئة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول شأن أئمة الإسلام وخلفاء النبوة أن يحفظوا صورة سنة رسول الله (ص) في الأمة فأمرهم بترك المغالاة والإجماع على أن الإمام له أن يأمر بالسنة أن يحفظوها ولا يختص أمره بالواجبات بل له الأمر بإشاعة المندوبات وهذا مما لا نزاع فيه كما أجاب قاضي القضاة بأنه طلب الاستحباب في ترك المغالاة والتواضع في قوله وأما تخطية قاضي القضاة في جوابه فخطأ بين لأنه لم يرتكب المحرم بل هدد به وللأمام أن يهدد ويوعد بالقتل والتعذير والاستصلاح فأوعد الناس وهددهم بأخذ المال إن لم يتركوا المغالاة فلا يكون ارتكاب محرم ولم يرووا أنه أخذ شيئا من المهور ووضعها في بيت المال واو فعله لارتكب محرما على زعمه ثم قال والرواية منافية ولأن المروي أنه حرمة فهذا غير مسلم ولما كان ظاهر أمره ينافي ما ذكرته المرأة من جواز المغالاة بنص الكتاب رجع وتواضع بقوله كل الناس أفقه من عمر وقد كان عمر رجاعا إلى أحكام الله تعالى وفاقا عند كتاب الله وكان متواضعا غاية التواضع والخشوع عند ذكر الله تعالى حتى أنه قيل قال له رجل إتق الله فوضع خده على الأرض وهذا من كمال تواضعه وأما قوله لو كان الأمر كما قال عرم لاقتضى إظهار القبيح وتصويب الخطأ فهذا كلام بين البطلان فإن عمر تواضع بقوله كل الناس أفقه من عمر وهذا التواضع لا يقتضي إظهار القبيح ولا تصويب المطأ لا أنه تواضع بترك الحق الصحيح وأخذ الباطل وتقريره حتى يلزم ما يقول انتهى وأقول إن أراد وقوع الاجماع على أن شأن الإمام أن يأمر الأنام أمرا استحبابيا بحفظ السنة وفعلها ويقول لهم على وجه الترغيب إن هذا سنة رسول الله (ص) فإن فعلتموه تأسيا به كان أحسب وأولى فمسلم لكن منع عمر على الوجه المنقول المشتمل على التهديد المذكور يأبى عن هذا إباء بينا وإن أراد الاجماع على أن له يأمرهم أمرا إيجابيا ويوجب عليهم فعل السنة ويؤاخذهم على تركها فلا؟؟؟ وقوع الاجماع على ذلك وهل بقول عاقل فضلا عن مسلم أن السنة يصير واجبا بإيجاب عمر وأما قوله ولا يختص أمره بالواجبات فلغو من الكلام لا ربط له بكلام المصنف قدس سره إذ ليس في كلامه ما يشعر بدعوى الاختصاص كما لا يخفى وأما ما ذكره في تقوية كلام قاضي القضاة من أنه لم يرتكب المحرم ففيه أن التهديد على فعل السنة بحيث يدل على إيجابه لها محرم قطعا قوله للإمام أن يهدد ويتوعد بالقتل والتعذير قلنا نعم لكن لترك واجب وفعل حرام لا لترك مستحب أو مباح جايز وأما قوله ولم يرووا أنه أخذ شيئا من المهور الغالية فمما لا طايل تحته فإنه كما لا يجوز أخذ المحرم لا يجوز الأمر بأخذ المحرم ولا القصد إليه ولعمري هذه الكلمات مغالطات لا تصلح إلا لإضلال العموم أو الأطفال وكذا قوله ولما كان ظاهر أمره ينافي ما ذكرته المرأة إلى آخره فإنك قد علمت أن ظاهر أمره وباطنه كلاهما ينافيان ذلك فلا يتفرع عليه اعجاه التواضع وأما حكمه على الملازمة المدلول عليها بقول المصنف لو كان الأمر كما قال عرم لاقتضى إظهار القبيح وتصويب الخطأ فإنه بين البطلان فبين البطلان لظهور لو أنه كان الأمر كما قال عمر من وجوب مهر السنة وعدم جواز المغالاة وإنما أظهر جواز المغالاة تواضعا مع المرأة ومماشاة معه في تسليم ذلك الجواز الخطأ في نفس الأمر للزم إظهار القبيح وتصويب خطأ المرأة لزوما لا ستره به والحاصل أنه لو كان الحق في ذلك مع عمر دون المرأة فيصير تواضعه معها فيه تقريرا لخلاف الحق وهو معصية وضلالة كما لا يخفى وأما ما ذكره من أن عمر كان رجاعا إلى أحكام الله متواضعا عند ذكر الله فهو ينافي رجوعه عن حكم الآية المبيحة للمغالاة في المهر وكذا ينافي ما سيجئ من قصة إبلاغ النبي (ص) أبا هريرة لأن يبشر المؤمنين بأن من كان إيمانه بالله يقينا يدخله الله الجنة فلما ذكر أبو هريرة ذلك لعمر ضرب على صدر أبي هريرة حتى قعد على استه فرجع أبو هريرة باكيا شاكيا إلى رسول الله (ص) وبالجملة الرجل مشهور بالغلظة والفظاظة لا بالتواضع والخشوع إلا في بعض هنات خلواته ووضع الحد على الأرض عند قول ذكر القايل له إتق الله إن وقع كان على سبيل السخرية على ذلك الرجل بل على غيره فافهم وأما قوله إلا أنه تواضع بترك الحق الخ ففيه أن ما صدر عن عمر لم يكن إلا المنع من المغالاة فأن أراد بترك الحق ترك منع المغالاة حقا حتى يكون تركه تركا للحق وإن أراد ترك الحث على متابعة السنة كما يظهر من سوق كلام الناصب فذلك لم يفهم من كلام عمر بشئ من الدلالات وإن أراد معنى آخر فلا بد من تصويره حتى تنظر فيه قال المصنف رفع الله درجته ومنها أن تسور على قوم ووجدهم على منكر فقالوا أخطأت من جهات تجسست وقد قال الله تعالى ولا تجسسوا ودخلت الدار من غير الباب والله تعالى يقول ولا تأتوا البيوت من ظهورها وآتوا البيوت من أبوابها ودخلت بغير إذن وقد قال الله تعالى لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ولم تسلم وقد قال الله تعالى وتسلموا على أهلها فلحقه الخجل فأجاب قاضي القضاة بان له أن يجتهد في إزالة المنكر ولحقه الخجل لأنه لم يصادف الأمر على ما قيل له وهذا خطأ لأنه لا يجوز للرجل أن يجتهد في الحرام ومخالفة الكتاب والسنة خصوصا مع عدم علمه ولا ظنه ولهذا أظهر كذب الافتراء على أولئك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول جواب قاضي القضاة صحيح وتخطئته خطأ ظاهر لأن هذا ليس من باب الاجتهاد في الحرام فإن الاجتهاد في الحرام فيما لا يكون للحكم الحرام معارض وههنا ليس كذلك لأن إزالة المنكر على المحتسب والإمام واجب بقدر الوسع والإمكان فهذا يجوز التجسس لأنه من جملته ومع الإزالة فكان التجسس لإزالة المنكر خارجا من حكم مطلق التجسس فيجوز فيه الاجتهاد ألا يرى أن رسول الله (ص) أمر بكسر القدور التي طبخت فيها لحوم الحمير الأهلية مع أن الكسر إتلاف مال الغير وهو حرام للنص والإجماع ومع ذلك أمر به لأن إزالة المنكر كانت تدعو إلى ذلك الأمر فإزالة المنكر إذا دعت إلى أمر لا يتيسر الإزالة إلا به يجوز الإقدام عليه أما سمعت أن المحتسب له أن يكسر الدنان التي فيها الخمر إذا لم يتيسر الاهراق بدون الكسر ويجوز عمر اجتهد فدخل
Página 240