قوله تعالى في مواضع من متابه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله (ص) بعثت بالملة السهلة السمحة على غير ذلك فمن أين نشأ خوف أن يكتب النبي (ص) في هذه الحالة ما يعجز عنه الأمة اللهم إلا أن يلل ذلك أيضا بأنه لما كان النبي (ص) في تلك الحالة في معرض التكلم بالهذيان والخلط والخبط في الكلام كما حكم به عمر احتمال أن يكتب ما يخالف قانون أيام الصحة وهذا وقوع فيما هربوا عنه كما لا يخفى وأما الثاني وهو المصدر بقوله وقيل خشي عمر إلى آخره ففيه أن ارأة عمر مصلحة مخالفة لأمر النبي (ص) عين الكفر لقوله تعالى ما كان للمؤمنين إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة وأما ما ذكره من أنه قد علم عمر تقرر الشرع وتأسيس الملة وأن الله تعالى قال اليوم أكملت لكم دينكم الآية فحاصله أن ما طلبه النبي (ص) وقصده من كتابة الكتاب لا فائدة له بعد كمال الشرع فلا حاجة إليه وهذا في مرتبة إعادة كلام عمر والحكم بهذيان النبي (ص) ولا فأوامره (ص) لا يكون إلا بموجب الوحي فلا يكون إلا لفايدة جديدة والرد عليه راد على الله تعالى وهو في حد الشرك بالله تعالى وأيضا لو كان معنى قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم ما فهمه عمر للزم عدم صدور شئ من أحكام الدين عن النبي (ص) بعد نزول هذه الآية ولا يقول به إلا جاهل أو معاند وأما الثالث وهو المعنون بقوله وقد قيل إن عمر خشي تطرق المنافقين إلى آخره ففيه أن هذا لا يصلح سببا لرد أمر النبي (ص) وطعن المنافقين ومن في قلبه مرض لم يزل قائما عنده في كتاب الله تعالى فضلا عن سنته وخطابه بذلك إنما كان لخلاص المؤمنين من أصحابه لا سيما وقد أكد بقوله لن تضلوا أبدا وما زعمه من ترتب فائدة الأجر على المصيب والمخطي فمدفوع معارض بأن الحكم الاجتهادي الخطأ ربما يترتب عليه مشقة عامة لجميع الأمة وهذا لا يوازيه فايدة حصول الأجر للمخطي فقط وأما ما ذكره من كتابة ذلك في الخلوة فكذب ظاهر لما روي في المشهور من حضور بني هاشم ووجوه المهاجرين والأنصار عند النبي (ص) يومئذ ويؤيد ذلك ما روي من كثرة اللغط والصوت عند نزاعهم في كتابة الكتاب وعدمه وأما ما ذكره من تنظير احتمال تقول المنافقين في ذلك بادعاء الرافضة ففيه أن ادعاء الرفضة لذلك إنما وقع للمنع عن الكتابة فلو تركوا النبي (ص) حتى يكتب الكتاب في شأن أبي بكر كما زعمه النواصب على ما مر لما ادعى الشيعة ذلك وبالجملة المفسدة التي زعموها في ادعاء الشيعة إنما وقعت من منع عمر للكتابة لا من الكتابة كما ظنه فالتنظير ليس كما ينبغي وأيضا نحن نعلم كما أشرنا إليه سابقا أن طعن المنافقين لم يكن أشد وأقبح مما فعله هو بحضرة النبي (ص) من نسبته إلى الهجر والهذيان فعلم أن من منعه ذلك الكتاب لم يكن للخوف عن أمثاله من المنافقين بل لأغراض فاسدة لا يخفى على أولي النهى وأيضا لو خاف عن هؤلاء من كتابة النبي (ص) عند غلبة الوجع وشدة المرض لكان أولى بالخوف والمنع عندما كتب أبو بكر في مرضه الوصية المتضمنة لاستخلاف عمر مع أن عليا (ع) قد طعن فيه في الخطبة الشقشقية بقوله فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لا يقال لم يمنع عمر كتابة أبي بكر لعدم حضوره عنده حال تحرير الكتابة لأنا نقول على هذا كان الواجب أن يكتمه ويخفيه عندما وصل إليه دفعا للخوف الذي وجب رعايته لديه خصوصا وقد كان كتاب أبي بكر على وجه يقيم الناظر في مقام الطعن والتردد فيه في شأن عمر كما ذكرنا سابقا فكتب أنه إن عدل فذاك ظني به وإن لم يعدل فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وفي رواية أن يدل وجاز فلكل أمر ما اكتسب إلى آخره كما ذكر في شرحه حينئذ المقاصد وغيره ووصية النبي (ص) كانت على وجه القطع واليقين حيث قال اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا وأيضا يدفع إنكار علم عمر بكتابه أبي بكر الوصية له ما روى من أنه لما كتب أبو بكر وصيته وأرسله بيد رجلين ليقرآه على الناس قال الرجلان مخطابين للناس هذا مما كتبه أبو بكر فإن قبلتموه نقرأه وألا يزده فقال طلحة اقرآه وإن كان فيه عمر فقال له عمر من أين عرفت ذكري فيه فقال طلحة وليته أمس وولاك اليوم الرابع وهو المفتتح بقوله وقد قيل إنه كان من النبي (ص) بطريق المشورة والاختيار إلى آخره ففيه أنه لم يكن تلك الحال حال الاختيار والابتلاء سيما وقد علم النبي (ص) حالهم في طول مدة صحبتهم واختبرهم فيه مرارا ولم يكن أيضا من قبيل طرح الإمام المسألة على القوم ليختبر ما عندهم من العلم لأن مقاماتهم قد تقررت كما قال تعالى وما منا إلا له مقام معلوم وأما الخامس وهو المبتدأ بقوله وقالت طائفة إن معنى الحديث إلى آخره ففيه أن هذا احتمال جزم به الإمامية حيث قالوا كان مقصوده (ص) أن يكتب شيئا في تعيين علي (ع) للخلافة بعده كما أشار إليه هذا القايل آخرا بقوله وذكر أن الذي طلب كتابة أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك ولو أغمضنا عن ذلك نقول لا فرق بين أمر الذي ابتدأ به النبي (ص) من عند نفسه وبين ما اقتضاه غيرهم ثم أمر به (ص) في وجوب أمثاله لأن الكل بمقتضى الوحي كما عرفت وأما استدلاله هذه الطايفة يقول العباس (رض) لعلي (ع) انطلق بنا إلى رسول الله (ص) إلى آخره فأول ما فيه أن عليا (ع) كان ملازما في خدمة النبي (ص) أيام مرضه فلا معنى لقول عباس له انطلق بنا إلى آخره وإنما يفتري هذا القول على عباس تلك الطائفة الذين قرروا معنى الحديث على ما ذكر ويؤيد أن هذا غير مذكور في صحاح القوم وأيضا إذا كره علي (ع) السؤال عن ذلك وحلف أن لا يفعل كما ذكره المفتري فمن الذي سأل ذلك عن رسول الله (ص) واقتضائه منه وأما استدلالهم بقوله (ص) دعوني فإن الذي أنا فيه خير لو سلم صحته فلا دلالة فيه على ما زعموه لأن ذلك إنما كان ردا على نزاع الحاضرين هناك مع أن فيه من التدافع ما لا يخفى لأن قوله (ص) دعوني ينافي حينئذ إجابته عنهم أولا وأمره بقوله هلموا وايتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي وهو ظاهر جلا والعجب من القوم كيف يحملون ظواهر الآيات التي فيها عتاب الأنبياء (ع) على نزل الأولى على ظواهرها ويحكمون عليهم بالمعاصي والخطأ مع دلالة العقل على وجوب تنزههم عن ذلك مع وجود المحامل لظواهر تلك الآيات ويتركونها ويهملونها ويحملون كلام عمر الذي ظاهره بغير تأويل واضح وهلا ساووا بينه وبين الأنبياء الذين هم في محل التعظيم وما ذاك إلا من قلة الإنصاف وكثرة الاعتساف وشدة تسرهم للحق الأيلج وتسرعهم إلى ترويج الباطل اللحلج ثم أقول يمكن أن يستدل من هذا الحديث ونظايره الواقعة في مرض النبي (ص) على إرادته (ص) التنصيص على خلافة علي (ع) في ذلك الكتاب بوجوه الأول مجرد منع عمر وظهور كونه مريدا لخلافة أبي بكر ليكون تقمصه إياها أولا وسيلة إلى تقمصه إياها ثانيا فسعى في منع النبي (ص) عن كتابة تلك الكتاب وبالغ في استقرار خلافة أبي بكر حتى دخل الناس في بيعته
Página 237