وأما ما ذكره من أن أبا بكر لما ولي الخلافة أصبح يمشي في السوق وعلى رقبته أثواب ببيعها إلى آخره فليس بمستبعد ولا يدل ذلك على على زهده وفضيلة لما مر من أن خياطة الأثواب وبيعها كان حرفته التي اعتادها في الإسلام والعادة طبيعة ثانية يعسر انفكاكها ولنعم ما قيل نظم؟؟؟
وأما ما ذكره من قول الأصحاب عينوا لأبي بكر من بيت المال شيئا ليترك عمل السوق ولا يضيع أمر المسلمين فلا أدري أن دفع إضاعة أمر المسلمين كيف كان يتحقق بترك أبي بكر لعمل السوق هل كان يتفرغه حينئذ بتعليم المسائل الشرعية أو بأظهار آثار الشجاعة وقيادة الجيش ولعمري أن خياطته وعمله في السوق كان أنفع من ذلك للمسلمين وبالجملة هذا كلام مضحك جدا ومنها أن ما ذكره من وصية أبي بكر إلى عايشة ببيع جميع ما في تحت يده لأداء ما أخذ من بيت المال الظاهر أنه كان مستورا لم يخبروا به غير روح هذا الناصب الشقي الذي كان له معهم تعارف وايتلاف في مجندة الأرواح وإلا فليس لغيره من أولياء أبي بكر عنه خبر ولا في تأليفاتهم عنه أثر وأما قوله وأوصى أبو بكر أن يدفن في أثوابه التي لبسها أيام حياته إلى آخره ففيه إخلال وتقصير إذ كان المناسب أن يزيد على ذلك ويضم إليه ما افتراه أيضا له أوليائهن من أنه مات شهيدا بعد سنة بالسم الذي جعله يهودي في طعامه ثم يعلن وصيته بدفنه في ثوبه بأن من مقررات الشرع أن الشهيد يدفن في ثيابه اللهم إلا أن يقال بابي عن ذلك ما ذكره مؤلف روضة الأحباب من أن ذلك الثوب قد ضم مع ثوبين جديدين كفن فيهما وأما ما ذكره من وصف ابن المطهر بالأعرابي فهو مناف لوصفه سابقا بأنه نبطي وكأنه أراد الإعرابي بكسر الهمزة من الإعراب بمعنى الإظهار بأن يكون الغرض أنه يظهر أسرار المخالفين ويهتك أستارهم وحينئذ كونه ميشوما على المخالفين وجهه ظاهر وأما اللعن فأثار توجهه إلى هذا الناصب الشقي أظهر من وجهته إلى غيره فإنه طرد في أيام حياته عن جنته نيران بالقهر إلى نيران ما وراء النهر ودفن في قبور أمثاله من نواصب الدهر وقد نشاء المصنف قدس سره في عزة الدنيا والدين ودفن في شريف مشهد مولاه ومولى الثقلين أمير المؤمنين وكأنه قيل في ذلك حشر غلامان عمر با عمر ومنها أن ما ذكره من اتصال نسب عمر في الأب العاشر إلى آباء النبي (ص) مع بعد الاتصال لا يسمن ولا يغني من جوع فإن آباء النبي (ص) كانوا عندنا موحدين مسلمين ووافقنا في ذلك بعض أهل السنة أيضا كالشيخ جلال الدين السيوطي في رسايله الثلاثة المعمولة في هذا الباب وآباء عمر إلى التاسع كانوا كفارا مشركين كما لا يخفى وقال سمعت قوله تعالى وقصة نوح وابنه إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح الآية وأما قوله إن عمر كان قبل البعثة من أكابر قريش وصناديدها فكذب ظاهر لم يدعه له أحد وغاية أمره قبل الإسلام إنه بعد ما كان كأبيه خطاب حطابا كما سينقله المصنف عن ابن عبد ربه في كتاب العقد صار على ما ذكره صاحب الاستيعاب سفيرا في الواقع التي كان يقع بين طوايف قريش أو بينهم وبين غيرهم وفي روضة الأحباب وغيرها أنه عند إظهار تفاخر بعض قبايل العرب مع بعض هو كان يفاخر من قبل قريش ويذكر مدايحهم ومثل هذا الرجل في لسان أهل إيران يسمى ثنا كورخون أحد كو وفي لسان أهل الهند يسمى باث فردوس وأما ما ذكره في نسب أمه من أنه أخت وليد بن المغيرة ففيه أن المعهود في مثل هذا المقام نسبته المرء والمرأة إلى الأب دون الأخ ثم إنهم اختلفوا في أم عمر فقال بعضهما من أمه خيثمة بنت هشام بن المغيرة وأنكر صاحب الاستيعاب كون خيثمة بنت هشام وقال إنما ابنة عمها وهو رد على الناصب كما لا يخفى ويؤيده ما حكي أن خيثمة المذكورة رآها هشام بن المغيرة بن الوليد حين رضاعها مرمية في الطريق فأخذها ورباها ولما بلغت وقع عليها نفر الخطاب فخطبها عن هشام فنكحها إياه وهذا هو الحق الذي رواه محمد بن شهرآشوب وغيره ولكن لما رأى الناصبة أن في هذا شناعة لعمر اضطربوا واختلفوا في إصلاحه فانحل زمامهم واختل كلامهم كما ترى وأما ما ذكره من عمر كان في الجاهلية مهيبا ففي تقييد ذلك بأيام الجاهلية جهل أو تقصير لأن هيبة الإسلام ينبغي أن يكون أكثر من هيبة الكفر ولأن ابن عباس (رض) وصفه في مسألة القول بأنه كان مهيبا فهبنه وكان هذا في أيام الإسلام وأما كونه معظما أيام الكفر فغير ظاهر إذ غاية أمره كما مر نقلا عن الاستيعاب وروضة الأحباب سفارة قريش وذكر مدايحهم عند المفاخرة ومثل هذا الرجل لا يكون معظما عند أهله كما ترى وتسمع والله أعلم وأما ما ذكره من أن رياسة شبان قريش كانت له فلم نتصور له معنى محصلا فليبين ذلك أولياءه حتى ينظر في صحته وفساده وأما ما رواه من دعاء النبي (ص) بقوله اللهم أعز الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فهو من موضوعاتهم إذ من البين أن عمر لم يكن عديلا لأبي الحكم لا في العظمة ولا في الشجاعة ولا في الخيل والحشم بل لم يكن نسبة بينهما إلا في البشرية فكيف يتوقع النبي (ص) عز الدين بإسلامه كتوقعه عزه بإسلام عمر وأما قوله ودخل على رسول الله (ص) وهو كمل الأربعين لأن بإسلامه تكمل عدد المسلمين بأربعين فقد كذل فيه في كلا التكميلين أما في الأول فلأنه قد زاد على أربعين في ذلك الوقت ولعل الشقي الغبي رزق فهما وذكاه في هذا المقام فاحترز عن القول بالزيادة مع صدقه لاستلزام الخلل في إسلام عمر لما رووا عن النبي (ص) أنه قال من بلغ أربعين ولم يحمل العصا فقد عصا وفسروا العصا بالإسلام ويدل على الزيادة اختلافهم في تقرير سنه حال وفاته قال صاحب الاستيعاب اختلف في سن عمر يوم مات وقيل توفي وهو ابن ثلث وستين كسن النبي (ص) وسن أبي بكر يوم توفي وقيل ابن بضع وخمسين وقيل ابن خمس وخمسين وقيل ابن أربع وخمسين وقيل ستين انتهى ومن هذا يعلم حال سن أبي بكر ولعل الناصب لأجل ما ذكرناه أيضا لم يتعرض سابقا عند بيان ترجمة أبي بكر لبيان مبد إسلامه ومبلغ عمره في ذلك الزمان فافهم وأما في الثاني فلأن صاحب روضة الأحباب قال إن إسلامه كان بعد أربعين رجلا وإحدى عشر نسوة وعلى قول تسع وثلاثين رجلا وثلاثة عشر نسوة وعلى قول ثالث خمس وأربعون رجلا وإحدى عشر نسوة وعلى قول رابع أربعون رجلا وعشرة نسوة اللهم إلا أن يبني على القول الأول والرابع ويحذف النساء عن الاعتبار وفيه ما فيه على أن في تعليل أحد التكميلين بالآخر سخافة وسماجة لا يخفي وأما ما حكاه عن أصحاب رسول الله (ص) من أنهم قالوا ما زلنا في عز منذ أسلم عمر فهو كذب مبني على ما سبق من كذبهم على رسول الله (ص) أنه دعى بقوله اللهم أعز الإسلام بأبي الحكم أو بعمر بن الخطاب وكيف يدعى العز عند إسلامه مع أن بعد إسلامه هاجر جماعة من المسلمين إلى الحبشة وهاجر النبي (ص) مع جماعة إلى المدينة وعذب من بقي في مكة كعمار وأبويه (رض) وأما ما ذكره من أن عمر كان وزيرا لرسول الله (ص) طول حياته لا يصدر
Página 232