لا يبالي بإحراق صورة قبر النبي (ص) ومسجده بل نقول إن غصب الخلافة وأخذا لفدك ظلما أشد من جميع ذلك بمراتب فمن لا يخاف لومة لائم في ذلك فبالطريق الأولى أن لا يخاف في هذا مع أن ما ذكره المصنف هو قصد الاحراق لا الوقوع كما مر ومنها أن ما ذكره في الوجه الثاني والثالث والرابع غير متوجه لأن الأمر لم يبلغ إلى وقوع الإضرام والإحراق وإنما وقع مقدمة ما ما كما مر ولو كان يبلغ الأمر وإلى وقوع ذلك لأخذتهم الغيرة والحمية كما قال ودفعوا الصائل على كل حال ومع هذا كانوا في هذا السكوت مراعين لما وصى به النبي (ص) عليا (ع) من الصبر وعدم منابذة الثلاثة اتقاء في ذلك على المسلمين المستضعفين وحفظا للدين لئلا يرجع الناس إلى الجاهلية الأولى وتثور القبايل مرتدين بالفتنة في طلب ثارات الجاهلية إلى غير ذلك من المصالح الخفية والجلية كما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة على أن ذلك معارض بفعل عثمان يوم الدار فإنه لما دخل عليه محمد بن أبي بكر (رض) وأخذ بلحيته وضرب نصول قبضة سهامه على وجهه سلم عثمان نفسه للقتل ولم يطل يدا ولا سل سيفا على محمد (رض) ومنها أن ما ذكره في الوجه الخامس من أن امرأ الأنصار وأكابر الصحابة كانوا مسلمين إلى آخره مردود بما سبق من أن الكثرة والغلبة إنما كان في طوايف قريش ومواليهم الذين اتفقوا على أخذ الخلافة عن علي (ع) لما كان في صدورهم من ضغاين ثارات الجاهلية وكان الأنصار مغلوبين في ذلك الزمان ولهذا لم يتمكنوا من نصب أمير منهم على أنفسهم ومع هذا قد احتال قريش في تفريق كلمة الأنصار وجددوا بين الأوس والخزرج العداوة القديمة التي كانت بينهم وقد أصلحها رسول الله (ص) ولهذا خذلوا رئيسهم سعد بن عبادة يوم السقيفة وانتهى أمره من العجز إلى أن هرب إلى الشام كما مر وقد روى أن بعد بيعة أوس على أبي بكر قال الخزرجي لرئيس أوس ما حملك على ما صنعت إلا حسدا على ابن عمك سعد وأما التكلم في ذلك فقد مر وقوعه عن سلمان وأبي ذر ومقداد وبريدة ومالك بن نويرة الحنفي وغيرهم من المهاجرين والأنصار ولكن كان لمعاندي قريش قلوب لا يفقهون وآذان لا يسمعون كما قيل لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ونارا لو نفخت لقد أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد ومنها أن الوجه السادس مدخول بما مر من أن الكلام في الإخافة بالنار لا في إلقاء النار عليهم وإن كان هذا القدر أيضا أقبح من قبل عثمان وأما قتل الحسين (ع) فلو سلم إن ذلك كان أقبح منه قد يكن حصل الفرق بما ذكر من قصد الإخافة بالإحراق وفعلية الاحراق وقصد إحراق بيت النبي (ص) لا يكون أقبح من فعلية قتل الحسين (ع) بل القضية منعكسة نعم الإهانة الحاصلة من مجرد ذلك القصد والإخافة قد انجر إلى جرة من بعدهم على قتل الحسين (ع) كما اشتهر أنه سأل واحد عن بعض أكابر السادة هل قتلوا الحسين (ع) في أرض كربلاء قال لا بل في سقيفة بني ساعدة يوم بويع أبا بكر فافهم وأما ما ذكره في هذه الوجه إنه لم ير الخبر في تاريخ الطبري فهو صادق فيه لأن السالبة لا يقتضي وجود الموضوع وهو لم؟؟؟
التاريخ البتة لندرته في بلاد العجم خصوصا في زمانه فصدق إنه لم يره فيه لكن بينه ما فيه وأما ما ذكره فيه من أنه في أمثال هذه الواقعة العظيمة لا يكتفى برواية واحد الخ ففيه أن المصنف لم يكتف في إثبات ذلك على رواية واحد من أهل السنة بل ذكر رواية أربعة من علماء أهل السنة وهم الطبري والواقدي وابن عبد ربة وابن خيرانة فالإغماض عن ذلك مع تصريح المصنف بالتفصيل تهب وتحير كما لا يخفى وأما ما ذكره من أن أهل الحديث يحكمون بأن هذا منكر شاذ لأن الوقايع العظيمة إلى آخره مدفوع بأن الخبر كان متواترا في الطبقة الأولى غاية الأمر أن بني أمية لما بالغوا في إخفاء حقية علي (ع) وبطلان من نازعه في الخلافة حكموا بإخفاء ذلك وانتفى تواتره في الطبقة الثانية والثالثة من أهل السنة وبقي تواتره بحاله بين الشيعة وبقاؤه آحادا بين أهل السنة أيضا مع مبالغة الأعداء في كتمانه دليل على قوته على أن حكمه بشذوذه ونكارته مخالف لاصطلاح أهل الحديث فإن المنكر من الحديث على ما ذكره الطيبي في مقدمة شرحه للمشكاة هو ما تفرد به من ليس بثقة وهذا الخبر كما عرفت قد رواه أربعة من الثقات بل أزيد ومعنى الشاذ في اصطلاحهم قريب من المنكر وأيضا قد سبق في أوايل بحث النبوة نقلا عن المواهب اللدنية للقسطلاني إن الطرق إذا كثرت وتباينت دل ذلك على أن الخبر له أصلا وبما قررناه ظهر أن حكم الناصب بجهالة الجماعة المذكورة و تعصبهم في مذهب الشيعة تعصب محض بل تجاهل بحت لا يجديه نفعا ومنها أن ما ذكره في الوجه السابع رواية عن الصحاح من أن أبا بكر لم يتعرض لهم إلى آخره مردود بأن ليس في صحيح البخاري ولا مسلم إن أبا بكر لم يتعرض لهم غاية الأمر أنهما ساكتان عن رواية ذلك فلا منافاة وأيضا المقصود الأصلي لمؤلفي تلك الصحاح ذكر أحاديث رسول الله (ص) وأما أحاديث الصحابة وقصصهم سيما ما جرى بينهم بعد وفاة رسول الله (ص) فقد يذكر استطرادا وما نحن فيه واقعة جرت بعد رسول الله (ص) فلو لم يذكر فيها لكان له وجه وأما ما ذكره من أنهم كانوا يترددون عند أبي بكر قبل بيعتهم إياه فهو من إضافات الناصب ليس عنه في صحاحهم عن ولا أثر وأما قوله فلما توفيت فاطمة بعث أمير المؤمنين (ع) إلى أبي بكر إلى آخره فهب أنه صحيح لكن إنما وقع ذلك لأنهم غلبوا بعد وفاة فاطمة (ع) على علي (ع) وراد جرأتهم إليه فإنهم كانوا يستحيون من فاطمة (ع) في أعين الناس ولهذا قال البخاري إنه لما ماتت فاطمة ولت وجوه الناس عن علي (ع) فالتجأ إلى بيعة أبي بكر والناصب قد حذف هذا لما له من المصلحة فافهم وأيضا في روايتهم أن عمر منع أبا بكر أن يدخل على علي (ع) وأصحابه وحده وهذا يدل على أن كلا من الجانبين كانوا في معرض تهمة الغدر بالإحراق فكيف كانوا يترددون عند أبي بكر قبل بيعتهم إياه وأما ما ذكره في بيان عذر أبي بكر لتصدي الخلافة من أن الأنصار كانوا يريدون أن ينصبوا أميرا منهم إلى آخره فعذر لأبيض الوجه لما مر من أن الأنصار كانوا يريدون أن ينصبوا أميرا منهم على طايفتهم فقط لا خليفة على كل الأمة وإنما كان إرادتهم لذلك بعد ظنهم تقاعد علي (ع) عن الخلافة كما سبق فلا يصلح ذلك عذرا لأبي بكر في مسارعته بالأمر كما لا يخفي وأكثر ما رواه الناصب هاهنا من أرباب الصحاح سقام مع ارتكابه فيها للزيادة والنقصان على وفق مطلبه الفاسد ومنها من أن ما ذكره من أن أبا بكر لم ينصب نفسه إماما ليأكل من أموال الناس ويتنعم باللذايذ إلى آخره لو صح لا يفيد في مقصوده لما مر رواية عن مولانا علي بن الحسين (ع) أن في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا ألا يرى إن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد انتهى والذي يدل على أن أبا بكر كان من هذا القبيل الأدلة الدالة على غصبه للخلافة وتقمصه للإمامة بالخلافة إلى غير ذلك من المطاعن والمثالب الدالة على تصدره بدون الاستحقاق
Página 231