وقال بعض المتكلفين من القائلين بالإباحة كل من اضطره الله إلى شيء فقد أباحه له قال أبو محمد علي وهذا قول امرىء لم يتدرب في العلم وقد أخطأ في هذه القضية لأن الضرورة فعل الله تعالى والجائع مضطر إلى الجوع والمريض مضطر إلى المرض وقد قال تعالى في أهل النار ﴿وإذ قال إبراهيم رب جعل هذا بلدا آمنا ورزق أهله من لثمرات من آمن منهم بلله وليوم لآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب لنار وبئس لمصير﴾ أفيسوغ لذي عقل أن يقول إن الله تعالى أباح للجائع الجوع وللمريض المرض ولأهل جهنم الكون في جهنم وإنما يقول هذا من لا يعرف الأسماء ولا المسميات ولا حقيقة عبارة الألفاظ عن المعاني فإن قال قائل فإن الشريعة تبطل حكم ما في العقول واحتج بأنه قد حسن في العقول الانقياد للأمر المنسوخ قبل أن ينسخ ثم أتى النسخ فقبح في العقل ما كان فيه حسنا قيل له هذا شغب فاسد ولم نكرر أن الشريعة لا تحسن إلا ما حسنت العقول ولا تقبح ما قبحت بل هو قولنا نفسه وإنما أنكرنا أن يكون العقل رتبة في تحريم شيء أو تحليله أو تحسينه أو تقبيحه وأما إذا وردت الشريعة بالنهي عن شيء أو إباحته فواجب في العقول الانقياد لذلك والانقياد لمنع ما أبيح أو إباحة ما منع إن جاء أمر بخلاف الأمر المتقدم فلم يحدث في العقول شيء لم يكن ولا غير النسخ شيئا مما كان فيها من وجوب الانقياد لما وردت به الشريعة وقد قال بعض القائلين بالحظر إن معنى قوله ﷿ ﴿هو لذي خلق لكم ما في لأرض جميعا ثم ستوى إلى لسمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم﴾ إنما معنى هذا ليعتبر به قال أبو محمد وهذا تحكم لا يشبه إلا تحكم الصبيان ومن استجاز مثل هذا من نقل الألفاظ عن
مراتبها في اللغة فلا ينكر على غلاة الروافض قولهم إن معنى
الصلاة الدعاء لا الركوع والسجود معنى الزكاة طهارة الأنفس ومعنى الحج القصد إلى الإمام ومن سلك هذه الطريقة أبطل الديانة وأدى إلى إبطال جميع التفاهم ولم يكن في الدنيا كلام إلا واحتمل أن يقول فيه قائل إنه مقصود
1 / 57