ولا تنافي بين هذا القولِ وبين قولِ ابن عباس وعائشة: "إن: لغو اليمين هو قول الرجل لا والله وبلى والله" (^١)، وقولِ عائشة وغيرها: أيضًا "إنه يمين الرجل على الشيء يعتقده كما حلف عليه، فيتبين بخلافه" (^٢)؛ فإن الجميع من لغو اليمين، والذي فَسَّر لَغوَ اليمين بأنها: يمين الغضب يقول بِأنَّ النوعين الآخرَيْن من اللغو.
وهذا هو الصحيح، فإن الله سبحانه جعل لغو اليمين مقابلًا لِكَسْب القلب، ومعلومٌ أن: الغضبانَ والحالفَ على الشيءِ يظنُّه كما حلف عليه، والقائلُ: لا والله وبلى والله -من غير عَقْدِ اليمين-، لم يَكْسِبْ قلبُه عقد اليمن، ولا قَصَدَها، واللهُ سبحانه قد رفع المؤاخذة بلفظٍ جَرَى على اللسان لم يَكْسِبْه القلبُ ولم يَقْصِدْه، فلا تجوز المؤاخذة بما رفع اللهُ المؤاخذةَ به، بل قد يقال: لغوُ الغضبان أظهرُ من لَغوِ القِسْمَيْن الأخيرَيْن؛ لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
_________
= لِيْنٌ من حديث ابن عباس يرفعه "لا يمين في غضب ولا عتاق فيما لا يملك". وهو إن لم يثبت رفعه فهو قول ابن عباس.
وقد فسر الشافعي: "لا طلاق في إغلاق" بالغضب، وفسره به مسروق، فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل كلهم فسروا الإغلاق بالغضب، وهو من أحسن التفسير، لأن الغضبان قد أغلق عليه باب القصد بشدة غضبه". وله تتمةٌ تفصيلها ما حوته هذه الرسالة الغراء. (القاسمي).
(^١) أما قول عائشة: فأخرجه البخارى (٦٦٦٣).
وأما قول ابن عباس: فأخرجه ابن جريج (٤/ ٤٢٨)، وسعيد بن منصور (٤/ ١٥٣٤) وغيرهما بإسنادٍ فيه ضعف.
(^٢) بمعناه عند البيهقي في "الكبرى" (١٠/ ٤٩ - ٥٠). وأخرجه هو وابن جرير (٤/ ٤٣٣ - ٤٣٧) عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن وغيرهم.
1 / 10