La gestión islámica en la gloria de los árabes
الإدارة الإسلامية في عز العرب
Géneros
سار الرشيد في إدارته على نهج قويم، وأعاد إلى الخلافة رونقها الذي كان لها على عهد جده المنصور، وما كان بالمسرف ولا بالمبخل، وسمى الناس أيامه «أيام العروس» لنضارتها وكثرة خيرها وخصبها. وكانت دولته
34 «من أحسن الدول وأكثرها وقارا ورونقا وخيرا وأوسعها رقعة مملكة: جبى الرشيد معظم الدنيا وكان أحد عماله صاحب مصر.» وقلد وزارته يحيى بن خالد، وقال له: «قد قلدتك أمر الدولة وأخرجته من عنقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، واعزل من رأيت، وأمض الأمور على ما ترى.» ودفع إليه خاتم الخلافة. أما الولايات: فقد فوضها لأمراء جعل لهم الولاية على جميع أهلها، ينظرون
35
في تدبير الجيوش والأحكام، ويقلدون القضاة والحكام، ويجبون الخراج ويقبضون الصدقات، ويقلدون العمال فيها، ويحمون الدين، ويقيمون حدوده، ويؤمون في الجمع والجماعات أو يستخلفون عليها، ويسيرون الحج من أعمالهم، فإن كانت أقاليمهم ثغرا متاخما للعدو تولوا جهاده.
وما قسمت أعمال الدولة منذ انتقالها إلى بني العباس تقسيمها في زمن الرشيد؛ ولذلك كان للخليفة وقت ليحج ووقت ليغزو، ووقت ليصطاف ويرتبع في الرقة، ويترك قصر الخلد في بغداد. ولقد كان الروم من جيوش الرشيد في بلية فما غزتهم مرة إلا وحالفها التوفيق، وبعث صاحب الروم جزية رأسه وبطارقته، وجرى الفداء بين الروم والعرب حتى لم يبق من المسلمين أسير واحد بأيدي الروم، وما اشتعلت فتنة في أرجاء مملكته إلا أطفأها، ومنها: فتنة النزارية واليمانية في الشام؛ أي قيس ويمن عادوا إلى ما كانوا عليه فقتل منهم بشر كثير، فأرسل عليهم إبراهيم بن محمد المهدي واليا؛ ففكر أن يعمد إلى طرق إدارية لقطع شأفة هذه الغائلة، فرأى أن يلهيهم بقشور، ويتقرب من قلوبهم بما يستميلها ولا يصدعها، فسار في استقبالهم على قانون من «التشريفات» أو «البروتوكول» أرضاهم به وما تكلف شيئا، فقد أمر حاجبه بإحضار وجوه الحيين، وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدم من كل حي الأفضل فالأفضل منهم، فأمر بتصيير أعلى الناس من الجانب الأيمن مضريا وعن شماله يمانيا، ومن دون اليماني مضري ومن دون المضري يماني، حتى لا يلتصق مضري بمضري ولا يماني بيماني، فلما قدم الطعام قال قبل أن يطعم شيئا: «إن الله - عز وجل - جعل قريشا موازين بين العرب، فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خئولتها، وافترض عليها حب العمومة والخئولة، فليس يتعصب قرشي إلا للجهل بالمفترض عليه.» ثم قال: «يا معشر مضر كأني بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن قد قدم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قلتم وكيف قدمكم علينا، وقد جعل بجانب اليماني مضريا وبجانب المضري يمانيا؟ فقلتم يا معشر مضر: إن الجانب الأيمن أعلى من الجانب الأيسر، وقد جعلت الأيمن لمضر والأيسر ليمن، وهذا دليل على تقدمته إيانا عليكم. ألا إن مجلسك يا رئيس المضرية في غد من الجانب الأيسر، ومجلسك يا رئيس اليمانية في غد من الجانب الأيمن. وهذان الجانبان يتناوبان بينكما، يكون كل من كان في جهته متحولا عنه في غده إلى الجانب الآخر.» فانصرف القوم كلهم حامدا، وبمثل هذه القوانين الإدارية رجع السلام إلى الشام ست سنين، واستراحت من العصبية الجاهلية وبأو
36
القبلية. قال الجاحظ:
37
حدثني إبراهيم بن السندي قال: لما كان أبي بالشام واليا أحب أن يسوي بين القحطاني والعدناني ، وقال: لسنا نقدمكم إلا على الطاعة لله - عز وجل - وللخلفاء، وكلكم إخوة، وليس للنزاري شيء وليس لليماني مثله. قال: وكان يتغدى مع جلة من جلة الفريقين، ويسوي بينهم في الإذن والمجلس.
ومن عمال الرشيد من أبدع طرقا جديدة في الإدارة، ولي عمر بن مهران مصر فقال هذا لغلامه: لا تقبل من الهدايا إلا ما يدخل في الجراب. لا تقبل دابة ولاجارية ولا غلاما. فجعل الناس يبعثون بهداياهم فجعل يرد ما كان من الألطاف
Página desconocida