وقد ينزل العالم١ بفائدة الخبر ولازم فائدته منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، فيلقى إليه الخبر كما يلقى إلى الجاهل بأحدهما.. قال السكاكي:
وإن شئت فعليك بكلام رب العزة: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، كيف تجد صدره يصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد القسمي وآخره ينفيه عنهم حيث لم يعلموا بعلمهم. ونظيره في النفي والإثبات: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال: ١٧] ٣، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢] .
هذا لفظه٤.. وفيه إيهام أن الآية الأولى من أمثلة تنزيل العالم بفائدة الخبر ولازم فائدته منزلة الجاهل بهما، وليست منها، بل هي من أمثلة تنزيل العالم بالشيء منزلة الجاهل به لعدم جريه على موجب العلم، والفرق بينهما ظاهر.
_________
١ أي المخاطب العالم بالفائدة ولازمها معًا. وكذلك العالم بأحدهما "الفائدة أو اللازم فقط. وذلك لعدم جريه على مقتضى علمه. فإنه لا يجري على مقتضى العلم هو والجاهل سواء. كما يقال للعالم التارك الصلاة الصلاة واجبة. وقولك لمن يسألك: ماذا أمامك؟ وهو يعلم أنه كتاب: أمامي كتاب.
٢ اللام في لقد موطئة للقسم. أي واقعة في جواب قسم محذوف. واللام في "لمن" ابتدائية. وجملة "لمن اشتراه إلخ" سدت مسد مفعولي علموا لتعليقه بلام الابتداء. ومحل الشاهد قوله "لو كانوا يعلمون" فإن العلم الواقع بعد "لو" منفي بمقتضاها؛ لأنها حرف امتناع لامتناع. وقد أثبت ذلك العلم لهم في صدر الآية.. هذا وتنزيل العالم بالشيء منزلة الجاهل به لاعتبارات بلاغية كثيرة في الكلام.
٣ الآية من تنزيل وجود الشيء منزلة عدمه -وقوله في "النفي والإثبات" أي في نفي شيء وإثباته.
٤ أي نص كلام السكاكي.
1 / 68