Ictisam
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
Editor
سليم بن عيد الهلالي
Editorial
دار ابن عفان
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
Ubicación del editor
السعودية
لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ بِشَرْطِهِ، وَإِمَّا شَاقٌّ صَبَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُوفِ النَّفْسَ حَقَّهَا مِنَ الرِّفْقِ، وَسَيَأْتِي، وَإِنْ لَمْ يُوفِّ؛ فَكَأَنَّهُ نَقَضَ عَهْدَ اللَّهِ، وَهُوَ شَدِيدٌ، فَلَوْ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الِالْتِزَامِ؛ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ مَا يَتَّقِي مِنْهُ.
لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ النَّهْيَ هَاهُنَا مُعَلَّقٌ بِالرِّفْقِ الرَّاجِعِ إِلَى الْعَامِلِ؛ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ»، فَكَأَنَّهُ قَدِ اعْتَبَرَ حَظَّ النَّفْسِ فِي التَّعَبُّدِ، فَقِيلَ لَهُ: افْعَلْ وَاتْرُكْ؛ أَيْ: لَا تَتَكَلَّفْ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ، كَمَا لَا تَتَكَلَّفُ فِي الْفَرَائِضِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا وَضَعَ الْفَرَائِضَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ التَّيْسِيرِ مُشْتَرَكٍ لِلْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْضُ الْفَرَائِضِ يُدْخِلُ الْحَرَجَ عَلَى الْمُكَلَّفِ؛ يَسْقُطُ عَنْهُ جُمْلَةً، أَوْ عُوِّضَ عَنْهُ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ، كَذَلِكَ النَّوَافِلُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا.
وَإِذَا رُوعِيَ حَظُّ النَّفْسِ؛ فَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ فِي الْإِيغَالِ إِلَى الْعَامِلِ، فَلَهُ أَنْ لَا يُمَكِّنَهَا مِنْ حَظِّهَا، وَأَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهَا بِالدَّوَامِ؛ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُؤَصَّلَةِ فِي أُصُولِ الْمُوَافَقَاتِ فِي إِسْقَاطِ الْحُظُوظِ، فَلَا يَكُونُ إِذًا مَنْهِيًّا - عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ـ، فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ مَا دَامَ طَالِبًا لَهُ، وَلَهُ الْخَيَرَةُ فِي تَرْكِ الطَّلَبِ بِهِ، فَيَرْتَفِعُ الْوُجُوبُ؛ كَذَلِكَ جَاءَ النَّهْيُ حِفْظًا عَلَى حُظُوظِ النَّفْسِ، فَإِذَا أَسْقَطَهَا صَاحِبُهَا؛ زَالَ النَّهْيُ، وَرَجَعَ الْعَمَلُ إِلَى أَصْلِ النَّدْبِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ حُظُوظَ النُّفُوسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّلَبِ بِهَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَلَا يَنْهَضُ
1 / 406