299

Ictisam

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

Investigador

سليم بن عيد الهلالي

Editorial

دار ابن عفان

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

Ubicación del editor

السعودية

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ إِذَا اقْتَضَى أَمْرًا فِي الْجُمْلَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ مَثَلًا، فَأَتَى بِهِ الْمُكَلَّفُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا، كَذِكْرِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ وَالنَّوَافِلِ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يُعْلَمُ مِنَ الشَّارِعِ فِيهَا التَّوْسِعَةُ؛ كَانَ الدَّلِيلُ عَاضِدًا لِعِلْمِهِ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ مَعْنَاهُ، وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ بِهِ.
فَإِنْ أَتَى الْمُكَلَّفُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، أَوْ زَمَانٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَكَانٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مُقَارِنًا لِعِبَادِةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْتَزَمَ ذَلِكَ بِحَيْثُ صَارَ مُتَخَيَّلًا أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ، أَوِ الزَّمَانَ أَوِ الْمَكَانَ مَقْصُودٌ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؛ كَانَ الدَّلِيلُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ.
فَإِذَا نَدَبَ الشَّرْعُ مَثَلًا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فَالْتَزَمَ قَوْمٌ الِاجْتِمَاعَ عَلَيْهِ عَلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ وَبِصَوْتٍ، أَوْ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ مَخْصُوصٍ عَنْ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ؛ لَمْ يَكُنْ فِي نَدْبِ الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ الْمُلْتَزَمِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْأُمُورِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ شَرْعًا شَأْنُهَا أَنَّ تُفْهِمَ التَّشْرِيعَ، وَخُصُوصًا مَعَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ كَالْمَسَاجِدِ؛ فَإِنَّهَا إِذَا ظَهَرَتْ هَذَا الْإِظْهَارَ وَوُضِعَتْ فِي الْمَسَاجِدِ كَسَائِرِ الشَّعَائِرِ الَّتِي وَضَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسَاجِدِ وَمَا أَشْبَهَهَا كَالْأَذَانِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ ـ؛ فُهِمَ مِنْهَا بِلَا شَكٍّ أَنَّهَا سُنَنٌ، إِذَا لَمْ تُفْهَمْ مِنْهَا الْفَرْضِيَّةُ، فَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهَا الدَّلِيلُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ، فَصَارَتْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِدَعًا مُحْدَثَةً بِذَلِكَ.
(وَ) عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ الْتِزَامِ السَّلَفِ لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ أَوْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهَا، وَهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً عَلَى مُقْتَضَى

1 / 318