Confesiones de un joven de la época
اعترافات فتى العصر
Géneros
لقد رأت أوروبا أكثر من ملك ظهرت منه بادرة الخوف في تاريخها أمام شعبه، فذهب فريسة لهذا الشعب، ولكن مثل هذه الكارثة لم تكن تقع على الملوك جملة في آن واحد؛ لذلك سقط الملوك على التتالي، ولم تسقط الجلالة الملكية، ولكن أمام نابليون ارتعشت الجلالة الملكية نفسها، فبدرت منها البادرة التي تؤدي إلى الهلاك، وما ارتعشت جلالة الملك وحدها حينذاك، بل ارتعش معها الدين والشرف وكل سلطة إلهية وبشرية.
ولما مات نابليون، استعادت السلطات الإلهية والبشرية روعها، ولكنها لم تجد في الشعب من يعتقد بها بعد.
إن في معرفة ما يمكن أن يقع لخطرا؛ لأن الفكر يتجاوز الإمكان بافتراضاته، وليس القول بإمكان وقوع أمر كالقول إنه لا بد واقع، وما التأكد إلا أول عضة للكلب المستأسد.
لم يكن نابليون العاتي إلا آخر شرارة من نار الاستبداد، فقد أعدم الملوك لينسج على منوالهم، ففعل بهم ما فعله فولتير بالكتب المقدسة.
وسمعت الدنيا بعد ذلك ضجة هائلة هي صوت صخرة القديسة هيلانة تسقط على العالم القديم، ولاحت نجمة التفكير في السماء بأشعتها الباردة كوشاح آلهة الليل، فغمرت بها الدنيا كأنها الكفن المروع.
كانت أوروبا قد رأت من قبل عددا وفيرا ممن يمقتون الأشراف، ويتهددون الكهنة، ويتآمرون على الملوك، ولكنها ما عرفت ابتسامة الاحتقار قبل أن مر الإمبراطور وتوارى عن العيان، فكان إذا اخترق الجمع شريف أو كاهن أو عاهل يهز الفلاحون رءوسهم، متذكرين ما شهدوا من معارك ويقولون: لقد نظرناهم في غير هذا الزمن، وفي غير هذا المكان، وقد كانت وجوههم على غير ما نراه اليوم.
وإذا ما ذكر أحد العروش والهياكل كانوا يقولون: إنها عوارض من خشب سمرناها نحن ثم اقتلعناها.
وحينما كان الخطباء يقولون: لقد رجعت عن غوايتك أيها الشعب، فدعوت إليك ملوكك وكهنتك، كان الشعب يجيب قائلا: «نحن لم ندعهم، وما دعاهم إلا هؤلاء المتشدقون.»
وإذا قيل للشعب: «عد إلى الطاعة والسكون، افلح الأرض واخضع.» كان الشعب ينتفض وتتحرك السيوف في أغمادها وقد علاها الصدأ في زوايا الأكواخ.
ولكن الخطباء كانوا يضيفون إلى كل هذا قولهم: «عد إلى السكون أيها الشعب، فقد أضناك الجهاد بلا جدوى، ولا تطلب الاعتداء وليس من يعتدي عليك.»
Página desconocida