Ibrahim Segundo
إبراهيم الثاني
Géneros
قال: «ربما، جائز، ولكنه لم يكن. أفمن أجل أن أمرا ما، كان يمكن أن يقع، تعذبين نفسك وتعذبيننى هذا العذاب؟»
قالت: «ألست معذورة؟»
قال: «نعم. ولكن هذا الاحتمال موجود أبدا، ولا يحتاج إلى عايدة على الخصوص ليمكن أن يكون ما دام الأمر كله أمر إمكان وجواز واحتمال».
فأحست الخوف، فقد كانت هذه أول مرة يبسط لها فيها الأمر على هذا النحو الواضح، وشعرت أن لا سبيل إلى أمن أو اطمئنان ما دام هذا جائزا ومحتملا فى أى وقت. ولكنها غالبت نفسها وقالت بابتسام كأنما تمزح: «إنى أعتقد أنك من الرجال الذين يمكن أن يحبوا أية امرأة بشرط أن يكون لها من المفاتن الكفاية».
وكان من الجلى - من نظرتها وابتسامتها ولهجتها - أنها تمزح، ولا تقول هذا جادة. أو لعلها كانت جادة، ولكنها آثرت أن تبطن كلامها بالمزاح.
ولم يغضب، ولم يسؤه هذا، بل قال وقد انتوى أن يذهب فى المصارحة - ما دام قد بدأ - إلى النهاية: «إنك مخطئة خطأين كبيرين، الأول قولك أنى مستعد أن أحب أية امرأة إذا كان لها من الجمال القدر الكافى للإغراء أو استثارة الإعجاب. والحقيقة أنى مستعد أن أحب كل امرأة ولو كانت دميمة، فإن للدمامة فتنتها أيضا، والبراعة فى تكوينها جديرة بالإعجاب، والمرأة الدميمة المزهود فيها خليقة بالرحمة. ألم تسمعى قول ابن المعتز: «وأرحم القبح فأهواه؟». وخطؤك الثانى ظنك إنى بدع فى الرجال. فاصغى إلى جيدا.. إن الرجل الذى يقدر على الحب هو الذى يحب المرأة أولا - الجنس كله، النساء جميعا - ثم بعد ذلك يحب امرأة معينة. وإنه ليحسن بكل امرأة أن تعرف هذه الحقيقة الأولية لأنها حيوية. إنك تخطئين حين تتوهمين أن رجلا لا تعنيه النساء، يستطيع أن يحبك ويفهمك ويقدرك. لا يا ستى ليس إلى هذا السبيل. فإن الانتقال يكون من العموم إلى الخصوص. وأنت أيضا لا تستطيعين أن تمقتى «الرجل» وتحبى رجلا. إن الذى يعرف كيف يحب امرأة هو الذى يحب المرأة، أو فكر المرأة، والأمران سيان. فإذا كنت تطلبين الشاذ والاستثناء، فاعلمى أن الشذوذ فى هذا يفضى إلى شذوذ آخر، لا تصلح به حياة المرأة الطبيعية التى لا تعانى شذوذا فى طبيعتها».
فبدا عليها الرعب، ولكنه لم يرحمها وألح عليها فقال: «إنك تريدين أن تفوزى بلذات الحب ونعيمه من رجل محدود، ضيق الأفق والنفس، أعمى العين والقلب، فلماذا تزوجتنى إذن؟ تطلبين الدفء من رجل بارد مقرور النفس! تشتهين نظرة الحب المثيرة من عين كالزجاج لا معنى فيها ولا تعبير لها، لأن من لا يرى ولا يحس لا يستطيع أن يعبر. تريدين أن يخفق لك قلب بعلك بالحب والحنان وهو لا يخفق إلا لمنظر الحمام المحشو، والبطاطس فى الصينية، إذا كان يخفق حتى لهذا ... لماذا خلق الله هذه الدنيا وما حفلت به من جمال؟ ما خيرها لنا إذا كنا سنعمى عنها؟ هل تذكرين الجبن اللذيذ الذى أكلنا منه ظهر اليوم؟»
وكان الانتقال مفاجئا، ولا صلة له بما هو فيه. ولكنها ألفت منه هذه الوثبات، فتبسمت وقالت: نعم. ماله؟»
قال: «لقد كان هذا جبنا طيبا. وكان طعمه لذيذا. وهو صالح نافع أيضا.. ولكن إذا تركناه زمنا كافيا، فإن شيئا غريبا ممتعا يحدث له. تدب فيه حشرة طفيلية نسميها الدودة، وتتكاثر الديدان، وتجعله كالأسفنج.. من أين جاء الدود؟ إنه لم يجىء من الخارج. وهو طفيلى، وعلامة فساد وانحلال.. أنتجه الفساد الذى دب فى الجبن. وكذلك النفس لاتفسد وتتعفن بشىء يجىء من الخارج، بل يكون ما يظهر فيها من الخوارج السود القبيحة نتيجة الفساد الذى اعتراها من الباطن».
واضطجع فى كرسيه وغام وجهه وهو يقول: «يخيل إلى، أن من الممكن أن نكون نحن الآدميين، وغيرنا من صور الحياة، علامات فساد وانحلال. وعسى أن نكون ظهرنا فى هذه الدنيا كما يظهر الدود فى الجبن أو المش، ومن يدرى؟ لعلنا حشرات طفيلية يغص بها كيان ضخم، فهى تعيث فيه.. كيان ظل موجودا أكثر مما ينبغى.. ففسد.. وصار جديرا بأن يرمى أو يمحى».
Página desconocida