1
فهو يذكر أن الإضافة الأولى إضافة ربوبية تتضمن خلق الناس وتدبيرهم وتربيتهم، ورعاية إصلاحهم ومصالحهم، ودفع الشر عنهم وحفظهم مما يفسدهم، كما تضمن أنه هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف الكربات عنهم.
والثانية إضافة الملك، فهم مماليكه وعبيده يتصرف فيهم ويدبر أمورهم كما يشاء، وهو ملكهم الحق إليه مفزعهم عند الشدائد، وهو مستغاثهم ومعاذهم وملجؤهم إذا نزل العدو بساحتهم.
والثالثة هي إضافة الألوهية، فهو إلههم الحق الذي لا إله لهم سواه، ومعبودهم الذي لا معبود لهم غيره، فكما أنه وحده ربهم ومليكهم لا يشركه في ربوبيته ولا في ملكه أحد، فكذلك هو وحده إلههم ومعبودهم.
وإذا كان الأمر حقا كذلك، فالناس جميعا جديرون ألا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم، هو متولي أمورهم بربوبيتهم وملكه وإلهيته لهم.
وبذلك «ظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للاستعاذة من أعدى الأعداء، وأعظمهم عداوة، وأشدهم ضررا، وأبلغهم كيدا!» وكيف لا يلجأ العبد إلى ربه ومالكه وإلهه عند النوازل والشدائد؟!
وهنا أشار شيخ الإسلام بوضوح إلى الحكمة في تقديم صفة الربوبية، وتأخير صفة الإلهية، وتوسط صفة الملك؛ وذلك - كما يقول: «لأن ربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها، فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلهيته.»
وبعد ذلك، نراه يفرق فرقا لطيفا واضحا بين الشر المستعاذ منه في كل من «المعوذتين»، فسورة الفلق فيها الأمر بالاستعاذة من الشرور التي تأتي الإنسان من خارج، مثل السحر والحسد، على حين أن في سورة الناس الأمر بالاستعاذة من الشر الذي يجيء الإنسان من الداخل، وهو وسوسة الشيطان التي هي سبب الذنوب والمعاصي كلها.
ثم قال: «فالشر الأول (أي جنسه الشامل لأنواعه) لا يدخل تحت التكليف، ولا يطلب منه الكف عنه؛ لأنه ليس من كسبه، والشر الثاني في سورة الناس يدخل تحت التكليف، ويتعلق به النهي.»
2
Página desconocida