El Hijo del Hombre: Vida de un Profeta
ابن الإنسان: حياة نبي
Géneros
فيقول له بطرس: «لو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك.» فيردد التلاميذ الآخرون قوله.
ويدهش يسوع حين يسمع عهود الإخلاص والوفاء هذه، وتتجاذبه المتناقضات، أفيسلم نفسه إلى العدو بغير مقاومة؟ أليس تلاميذه مسلحين؟ كلا، لا يذهب في هذه الليلة إلى بيت عنيا؛ حيث يبحث عنه لا ريب، فإذا كان يهوذا الغائب شريكا في المؤامرة؛ فإن مجيء هذا الخائن مع العدو إلى هنالك يكون غير مجد، ثم تشتعل فيه روح النضال مرة أخرى، فيترك الطريق بغتة، ويأمر تلاميذه باتباعه، ويبحث عن مختبأ، وهكذا يود يسوع في آخر أيام حياته أن يختفي على غير هدى، كما كان يفعل عندما يسير ضد العالم في كل مرة، ويدخل يسوع في الليل البهيم في بستان زيتون يروية وادي قدرون، ويقع على المنحدر الغربي من الجبل، ويحيط به سياج صبار، فيحميه من اللصوص كما تحمى بساتين الأهالي الأخرى.
وإليك يسوع وصحبه في ذلك البستان، ودخول بستان للاختفاء تجربة حديثة مزعجة ليسوع الحليم الذي بلغ السنة الحادية والثلاثين من عمره، فلم يدخل قبل ذلك في غير أفئدة الناس، وفي تلك الأيام يسمع يسوع طقطقة وهمسا، وتحاك حوله المؤامرات، ويكشر الموت الذي أكثر من ذكره عن أنيابه له فجأة، ويزحف إليه بما لا عهد له بمثله، فتصول فيه من جديد أرواح الحياة الحسية بذلك البستان، بعد أن ديست فيه شتاء بأجمعه، وبعد أن خنقت فيه خلال الأسبوع الأخير بأورشليم، ويستهويه من جديد ما حوله من الهدوء، وتفتنه رائحة شجر الزيتون، وطل الليل والكلأ الناعم تحت قدميه، والنجوم التي تلقي أشعتها من بين الأغصان، وتبدو التوراة ووحي التوراة أمرا منسيا، أو معنى مبهما، وتثور في نفس يسوع رغبة حارة في الابتهال إلى أبيه أن يدع له حياته.
وهل يبيح يسوع لنفسه أن يبوح لتلاميذه بما فيه من ارتباك أفكار واختلاط مشاعر؟ انتحى يسوع بتلاميذه الثلاثة المفضلين: «بطرس ويعقوب ويوحنا» جانبا، تاركا الآخرين تحت الشجر، وأخذ يسير هو وإياهم قليلا في الظلام، وصار يرتعش ويتردد ويخاف أن يترك وحيدا، فقال لهم: «نفسي حزينة جدا حتى الموت، امكثوا هنا واسهروا معي!»
ثم تقدم بضع خطوات وسجد ومس جبينه وشعره الأرض الندية ودعا قائلا: «يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس؛ ولكن ليس كما أريد، بل كما تريد أنت.»
ويداوم يسوع على الدعاء من أجل حياته، ويفوض أمره إلى أبيه، ويعاوده الغم فينهض مرة أخرى، ويخيل إليه أنه أحيط به، فيشعر شعور الفريسة عند اقتراب كلب الصيد منها، ويعود ضعيفا بائسا حزينا إلى رفقائه، باحثا عن المعين فيهم، أفلا يبسطون ذرعانهم لمعاضدته؟ أفلا يحلونه محل القلب في نفوسهم؟
وجدهم نائمين، ووجد يعقوب ويوحنا وبطرس نائمين.
فقال لبطرس: «أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟»
ألا يتجلى قنوط الحياة في تلك الكلمة؟ أليس أولئك هم أخلص أتباعه الذين وهب لهم قلبه منذ سنة وبعض سنة؟ هذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها صاحبهم ومعلمهم العون منهم لا من الرب الذي يدبر الأمر في عالم السر، وهذه هي المرة الأولى التي ثلمت الخمرة والظلمة حدهم فيها فتراهم نياما!
وتساور النبي شكوك، أفلم يختر طريقا ضالة؟ أفلم ير بطرس هذا التعب روحا وجسما ينشد الراحة غير مرة لدى زوجته كالولد الصغير على صدر أمه، فتحتضنه احتضان الوالدة لولدها؟ ألم يكن انفراده خطأ؟ كان يمكنه أن يجد على الدوام ملجأ في قلب نسوي، وأيديا ناعمة تداري شعره، وشفاها تقبل قدميه، وعطفا عليه في أعماله اليومية، وكان يمكنه أن يشاهد ازدهار من يحبهم من الأولاد ونموهم، وكان يمكنه أن يقضي حياته بين أهل مدينة صغيرة هادئة من الجليل، وأن يمتاز منهم بمخاطبته الأب فوق الجبل، وأن يحفظ سره في نفسه!
Página desconocida