في مناسبات عدة يشكو الملك الحيثي من منطقة تسمى «أهياوا»، التي توصف بأنها إقليم قوي يقع خارج نطاق السيطرة الهائلة للنفوذ الحيثي. يستهجن الملك الحيثي بشدة سلوك ملك أهياوا، ولكنه يبدو عاجزا عن فعل أي شيء حياله. لا بد أن أهياوا تقع عبر البحر. ويبدو أن الأخايويين اليونانيين - الآخيين عند هوميروس - يستمدون اسمهم من هذا القطر بعينه. وثمة رسالة طويلة من ملك حيثي، يسمى حاتوسيلي، الذي حكم فيما بين سنة 1267 إلى 1237 قبل الميلاد تقريبا، إلى ملك أهياوا توحي بأن القوتين كان بينهما خلافات مستحكمة على فيلوسا. وفي مصر توجد سجلات للفرعون أمنحتب الثالث من القرن الرابع عشر قبل الميلاد تشير إلى شعب يدعى «تنيو»، ربما كانوا هم شعب الداناويين اليونانيين، الذين يسميهم هوميروس الدانانيين. وعلى الرغم من قلة الأدلة، فإن الخلفية التاريخية لوصف هوميروس لحرب طروادة دقيقة بما يكفي: مملكة قوية غنية على سواحل بحر هيليسبونت ومملكة الميسينيين اليونانيين الآتية من وراء البحار التي ليست دوما على علاقات ودية مع القوة الآسيوية.
أثبت فك رموز النظام الخطي باء على يد المهندس المعماري البريطاني مايكل فينتريس في عام 1952، الذي عثر عليه في جزيرة كريت وعلى بر اليونان الرئيسي، أن الميسينيين (الذين ربما كانوا يعيشون في أهياوا، طبقا لسجلات الحيثيين) كانوا يونانيين؛ ومن ثم توجد استمرارية ثقافية فيما بين الميسينيين وهوميروس. ولما كان لا بد للمسائل الخاصة بالمسئولية والسلوك في القصائد الهوميرية أن تنتمي إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وهو زمن نظمها، فإن الشاعر يحوز إلماما فائقا بشخصيات القصيدة وبخلفية تاريخية عن حرب طروادة. لا شك في أن التقليد بالغ القدم، وهو ليس على الإطلاق من ابتكار هوميروس. وربما تحفظ القصة الأكبر عناصر تاريخية حقيقية على نحو جيد. إن معرفة الحيثيين والمصريين بوجود قوة إيجية هامة، والأسماء فيلوسا، وتارويسا، و«تنيو»، ألكساندو، وأسماء أخرى، وواقع وجود استمرارية ثقافية، وعصر الوزن السداسي التفعيلات العظيم، تلك الأمور جميعها، تجعل من المرجح أن الروايات المتعلقة بحملة آخية على معقل آسيوي في أواخر العصر البرونزي إنما تعبر عن حدث حقيقي، استلهم منه القالب الذي توارثه هوميروس، والذي وضع بداخله قصصه المعاصرة عن الأزمة الأخلاقية والعودة إلى الوطن.
بعد دمار طروادة السابعة (ب) والنزوح التدريجي منها زهاء سنة 1100 قبل الميلاد، يظل الموقع شاغرا لأكثر من 200 عام. وفي حوالي عام 750 قبل الميلاد تأسست مدينة جديدة، وهي طروادة الثامنة، التي دعيت آنذاك إيليون. وتتعلق أقدم الأدلة التاريخية لدينا على تطابق منطقة هيسارليك مع قلعة بريام بلعنة العذارى اللوكريات التي تبعث على الفضول. فكان أحد مشاهد حرب طروادة المفضلة بين رسامي المزهريات اليونانية الكلاسيكية هو مشهد اغتصاب كساندرا على يد أياس الأقل شأنا (لم يكن أياس الأعظم والأكثر شهرة يمت للواقعة بصلة)، الذي كان ينتمي إلى مقاطعة لوكريس في وسط اليونان (يوجد شخصان يحملان اسم أياس في القصيدة، أحدهما ابن تيلامون وعادة ما يدعى «أياس الأعظم شأنا»، والآخر ابن أويليوس، ويدعى «أياس الأدنى شأنا». عند ذكر «أياس» فقط، يكون المقصود هو ابن تيلامون. عادة ما يشير هوميروس إلى «الأياسين»، مستخدما صيغة المثنى، ولكن يبدو في بعض الأحيان أنه يقصد بهذه الصيغة: (1) أياس الأعظم وأياس الأدني شأنا، أو (2) أياس الأعظم وأخاه غير الشقيق تيوسر رامي السهام). وفقا للأسطورة، جر أياس اللوكري ابنة بريام من صنم أثينا أثناء خراب طروادة (شكل
2-9 ). وجراء ذلك لعنت الإلهة أثينا بلدهم، فبعث اللوكريون، بناء على نصيحة كاهنة دلفي وسيطة الآلهة، فتاتين عذراوين من عائلات نبيلة إلى إيليون في أعقاب الحرب مباشرة، حسب التقاليد اللوكرية، واستمروا على ذلك كل عام ليطهروا ويحافظوا على قدس الإلهة أثينا إلياس هناك، ندما على الجريمة النكراء التي ارتكبها أياس الأدنى شأنا. تتفق نقوش من منطقة لوكريس وشهادة مؤرخين مثل بوليبيوس، الذي كان يكتب في القرن الثاني قبل الميلاد، على أن اللوكريين أرسلوا بالفعل جزية إلى إيليون (طروادة الثامنة) في العصرين العتيق والكلاسيكي (ولكن من المستبعد أنهم فعلوا ذلك فيما قبل ذلك، عندما كانت طروادة خربة). عندما توقف خشايارشا الأول عند إيليون وهو في طريقه لغزو اليونان في سنة 480 قبل الميلاد، قدم 1000 رأس ماشية قربانا للإلهة أثينا إلياس عند نفس المزار المقدس. وحكى له السكان المحليون قصة قلعة بريام والحرب التي دارت هناك منذ زمن بعيد.
شكل 2-9: أياس الأدنى شأنا يعتدي على كساندرا على مزهرية يونانية من طراز الرسوم الحمراء، يرجع تاريخها إلى نحو 470-460 قبل الميلاد. تتشبث كساندرا، مجردة من ملابسها، بتمثال أثينا بينما يجذبها أياس الأدنى شأنا بعيدا عن التمثال. وإلى اليمين (يظهر جزئيا) نيوبتوليموس، ابن آخيل، على وشك أن يقتل أستياناكس، ابن هيكتور وأندروماك. رسام ألتامورا، إناء خلط (إناء فخاري على شكل كأس الزهرة) عليه مشاهد من سقوط طروادة (تفصيلا). أوائل العصر الكلاسيكي الإغريقي. مكان الصنع: اليونان، منطقة أتيكا، أثينا. خزف من طراز الرسوم الحمراء. الارتفاع: 48 سنتيمترا (
بوصة)؛ القطر: 49 سنتيمترا (
بوصة). متحف الفنون الجميلة، مدينة بوسطن.
بعد ذلك بمائة وخمسين عاما، عثر الإسكندر الأكبر على «درع من حرب طروادة» داخل المزار المقدس للإلهة أثينا إلياس، وعثر أيضا على «قيثارة باريس». ودعمت مدن ومحاريب مقدسة وآثار مزعومة أخرى الأسطورة. في المعبد الجميل للإلهة أثينا في مدينة ليندوس على جزيرة رودس، يمكنك أن تشاهد خوذة باريس، وأساور هيلين الذهبية، وجعبة سهام بانداروس. خلد الأثينيون ذكرى خراب طروادة على معبد الأكروبول بأثينا في أواخر القرن الثاني الميلادي؛ إذ نصب على تل الأكروبول أشباه للأبطال الحربيين مينيسثيوس، الذي يقول هوميروس إنه قاد الكتيبة العسكرية الأثينية، وابني ثيسيوس، بطل أثينا الاستثنائي، اللذين اختلسا النظر من داخل بطن تمثال برونزي هائل لحصان طروادة منصوب على الأكروبول. وفي مدينة إيليون نفسها، توضح عملات يونانية ورومانية ما لطروادة من صدى على أولئك الذين سعوا لربط إيليون بالماضي البطولي. عندما استولى الياور الروماني الخائن فمبريا على مدينة إيليون سنة 85 قبل الميلاد في الحرب الرومانية ضد الهمجي والمخادع ميثرادتس، ملك مملكة البنطس في شمال الأناضول، راح يتفاخر بأنه في أحد عشر يوما فقط استولى على مدينة صمدت لعشر سنوات أمام أجاممنون وسفنه الألف. ورد عليه أهل مدينة إيليون قائلين: «نعم، ولكن بطل مدينتنا لم يكن أحدا كهيكتور.» (8) استدلالات: هوميروس والتاريخ
ومع ذلك، حتى وإن كان ثمة أساس تاريخي للأساطير المتعلقة بالحرب في طروادة، لا يمكننا أن نأخذ «قصة» هوميروس عن هذه الحرب على أنها قصة تاريخية بأي وجه كان. ويأتينا دليل مقارن قوي من أوروبا في العصور الوسطى. فتعد الملحمة الشعرية «أنشودة رولان»، التي أشرنا إليها سابقا، والتي وثقت كتابة بصيغ عديدة حوالي عام 1100، هي الأقدم ضمن مجموعة كبيرة من أناشيد بطولية تسمى
chansons de geste «أغاني الآداب والتحيات»، التي نظمت على يد مغنين يسمون
Página desconocida