التسلسل الزمني للأحداث
تمهيد
مقدمة الطبعة الثانية
مقدمة
الجزء الأول: الخلفية
1 - ملحمتا هوميروس عند علماء فقه اللغة
2 - ملحمتا هوميروس عند المؤرخين
3 - ملحمتا هوميروس عند القراء
الجزء الثاني: القصائد
4 - الإلياذة
Página desconocida
5 - الأوديسة
6 - الخاتمة والملخص: قصيدتا هوميروس المتكاملتان
الجزء الثالث: تلقي الملاحم الهوميرية
7 - الملاحم الهوميرية عند الفلاسفة والشعراء
قراءات إضافية
التسلسل الزمني للأحداث
تمهيد
مقدمة الطبعة الثانية
مقدمة
الجزء الأول: الخلفية
Página desconocida
1 - ملحمتا هوميروس عند علماء فقه اللغة
2 - ملحمتا هوميروس عند المؤرخين
3 - ملحمتا هوميروس عند القراء
الجزء الثاني: القصائد
4 - الإلياذة
5 - الأوديسة
6 - الخاتمة والملخص: قصيدتا هوميروس المتكاملتان
الجزء الثالث: تلقي الملاحم الهوميرية
7 - الملاحم الهوميرية عند الفلاسفة والشعراء
قراءات إضافية
Página desconocida
هوميروس
هوميروس
تأليف
باري بي باول
ترجمة
محمد حامد درويش
مراجعة
شيماء طه الريدي
إلى الصغيرة جريسي.
ما النفع الذي سوف يحل علي؟ فالآلهة هم الذين يفضلون «المنشدين». من سيسمع بعد لأي أحد آخر؟ فالجميع يكفيهم هوميروس. إنه يعد أعظم «المنشدين»، ولن ينال مني شيئا.
Página desconocida
ثيوقريطس (القرن الثالث قبل الميلاد) الأنشودة الرعوية السادسة عشرة، الأبيات 19-21
التسلسل الزمني للأحداث
قبل الميلاد
4000
تطور الكتابة المسمارية السومرية، حوالي 3400.
الكتابة الهيروغليفية المصرية، ظهور الحضارة الفرعونية، حوالي 3300-3100.
3000
أوائل العصر البرونزي .
ازدهار المدن السومرية في بلاد ما بين النهرين، حوالي 2800-2340.
ازدهار الحضارة المينوية في جزيرة كريت، حوالي 2500-1450.
Página desconocida
الإمبراطورية الأكدية في بلاد ما بين النهرين، حوالي 2334-2220.
بداية
العصر البرونزي الأوسط
بوصول اليونانيين الهندوأوروبيين إلى شبه جزيرة البلقان، حوالي 2000-1600.
2000
بداية
العصر البرونزي المتأخر (أو
العصر الميسيني )، حوالي 1600.
الإمبراطورية الحيثية تتولى الحكم في الأناضول، حوالي 1600-1200.
1500
Página desconocida
اختراع الكتابة المقطعية السامية الغربية، حوالي 1500 (؟)
اندلاع حرب طروادة، حوالي 1250 (؟)
دمار أوغاريت، حوالي 1200.
بداية
العصر المظلم (أو
الحديدي ) بدمار المدن الميسينية في اليونان، حوالي 1200-1100.
1000
إنشاء المستعمرات اليونانية في آسيا الصغرى، حوالي 1000.
900
ازدهار المدن الحيثية الجديدة في شمال سوريا، حوالي 900-700.
Página desconocida
800
المستعمرات اليونانية في جنوب إيطاليا وصقلية، حوالي 800-600.
بداية
الحقبة العتيقة
باختراع الأبجدية اليونانية، حوالي 800.
تدوين «الإلياذة» و«الأوديسة»، المنسوبتين إلى هوميروس، حوالي 800.
بدء الألعاب الأوليمبية، سنة 776.
تأسيس روما، حسبما يزعم، سنة 753.
تدوين ملحمة «ثيوجونيا» لهيسيود، حوالي 775-700 (؟)
700 «التراتيل الهوميرية»، حوالي 700-500.
Página desconocida
كالينوس، حوالي 650.
شعراء الملاحم، حوالي 650-500.
عصر الطغاة، حوالي 650-500.
بيسيستراتوس الأثيني، 605؟-527.
600
صياغة البانتاتيك («الأسفار الخمسة» الأولى من الكتاب المقدس) العبرية أثناء السبي البابلي للعبرانيين (586-538).
كورش الكبير الفارسي، حوالي 600-529.
زينوفانيس، حوالي 560-478.
بندار، حوالي 522-443.
التاريخ المزعوم لعزل السلالة الحاكمة الإتروسكية (الأترورية) في روما وتأسيس «الجمهورية الرومانية»، 510.
Página desconocida
500
غزو الفرس لليونان؛ معركة ماراثون، 490.
غزو الفرس لليونان مجددا؛ تدمير أثينا؛ انتصار اليونانيين في معركتي سلاميس وبلاتايا، 480-479.
بداية
الحقبة الكلاسيكية
بنهاية الحروب الفارسية، 480.
إسخيلوس، حوالي 525-456.
سوفوكليس، حوالي 496-406.
هيرودوت، حوالي 484-424.
يوربيديس، حوالي 480-406.
Página desconocida
سقراط، حوالي 470-399.
الحرب البيلوبونيزية، 431-404.
ثوسيديديس، حوالي 470-400.
أفلاطون، حوالي 427-348.
400
أرسطو، حوالي 384-322.
فتح فيليب الثاني المقدوني، أبو الإسكندر، لليونان، منهيا الحكم المحلي، 338-337.
فتح الإسكندر الأكبر، 356-323، للإمبراطورية الفارسية، وتأسيسه الإسكندرية.
بدء
الحقبة الهيلينية
Página desconocida
بموت الإسكندر سنة 323.
300
إقامة الموزيون على يد بطليموس الثاني، الذي حكم من 285-246.
أبولونيوس الرودسي، القرن الثالث.
ليفيوس أندرونيكوس، القرن الثالث.
زينودوتوس الإفسوسي، القرن الثالث.
200
أرسطوفانيس البيزنطي، حوالي 257-180.
أرسطرخس الساموسي، حوالي 217-145.
بداية
Página desconocida
الحقبة الرومانية
حينما صارت اليونان إقليما رومانيا، 146.
100
ديديموس، القرن الأول.
الحروب الأهلية الرومانية، 88-31.
شيشرون، 106-43.
فيرجيل، 70-19.
أغسطس يهزم أنطونيوس وكليوباترا في معركة أكتيوم، سنة 31، ويضم مصر، سنة 30.
صفر
أغسطس قيصر يحكم، 27 قبل الميلاد-14 ميلاديا.
Página desconocida
ميلاديا
100
يوسيفوس، 37-100.
200
انتقال النصوص الهوميرية من لفائف البردي إلى الكودكس (مجلد المخطوطات).
300
تمهيد
كثيرا ما يسألني أناس من غير الملمين بالدراسات الكلاسيكية، أو بدءوا للتو في دراستها: «ما الذي نعرفه حق المعرفة عن هوميروس؟» فهذا الكتاب من أجلهم. لا أفترض أن القارئ يعرف اللغة اليونانية، بيد أني بين الفينة والفينة سوف أناقش كلمات ومفاهيم يونانية؛ لأن فكر هوميروس، بالطبع، مرموز إليه في كلماته. بينما أفترض أن القارئ قد طالع ملحمتي «الإلياذة» و«الأوديسة» مترجمتين؛ لذا سوف يكون كتابي الصغير هذا بمثابة مقدمة وتعليق تمهيديين للقارئ المبتدئ لنصوص هوميروس.
بدءا من العقد الأخير من القرن العشرين، جمع أحد الباحثين أكثر من 2200 كتاب، ودراسة، ومقال، بلغ مجموعها 60 ألف صفحة! وقدم طوال القرن نحو 500 ألف صفحة، عن هوميروس، وهو ما يضاهي نتاجا مماثلا من القرن التاسع عشر، ونتاجا أقل ولكنه حافل، دون توقف على مدى خمسة وعشرين قرنا سابقة. وليس من المستغرب أن كل الأمور المتعلقة بهوميروس كانت، أو «لا تزال»، موضع جدل من قبل أحد ما في مكان ما. فتشير دراسة حديثة إلى أن أطلال طروادة تقع في الجزر البريطانية. في هذا الكتاب الصغير سأنحي جانبا - قدر الإمكان - تعدد الآراء حول الموضوعات المختلفة؛ إذ يمكنك أن تجد من يعتقد أي شيء تقريبا فيما يتعلق بهوميروس. بل إن كثيرا من الباحثين المتخصصين في الدراسات الكلاسيكية اليونانية والرومانية لا يفهمون أصل الافتراضات التي عادة ما تتكرر بشأن هوميروس، وخاصة عصره، رغم أنه المؤلف الأهم في المؤلفات الإغريقية الموثقة ببون شاسع. لذا فإن هذا الكتاب سوف يكون لأجلهم أيضا. لقد حققنا تقدما هائلا في الدراسات الهوميرية خلال الأجيال العديدة الأخيرة، ولسوف أسعى إلى توضيح إلام وصل بنا هذا التقدم بالضبط. سوف يدعي كثيرون أن «هذا الأمر أو ذاك لهو من الأمور الخلافية»، ولكن وجود تباين في الآراء لا يحول دون جلاء أمر ما، إذا ما كنا نرغب في احترام الأدلة. نحن بالفعل نعرف بعض الأمور عن هوميروس. وسوف أركز على آراء المفكرين الأرفع منزلة فيما يتعلق بهوميروس، الذين - حتى في صخب تباين الآراء - يرى معظم المختصين بالدراسات الهوميرية أن آراءهم مقبولة ومنطقية. ولن أتردد في عرض الاستنتاجات التي توصلت إليها أنا نفسي بعد عقود من التأمل والتفكر.
التراجم الواردة بالكتاب من «الإلياذة» و«الأوديسة» هي ترجمات محدثة ومعدلة لتناسب العصر الحالي، مأخوذة عن تراجم سلسلة مكتبة لوب الكلاسيكية لمترجمها إيه تي موراي. أما التراجم من النصوص الأخرى فهي ترجماتي.
Página desconocida
مقدمة الطبعة الثانية
لاقى مطمحي في الطبعة الأولى لتقديم لمحة عامة سريعة للدراسات الهوميرية والقصائد الهوميرية نجاحا طيبا، إلى حد أنني أرغب في هذه الطبعة الثانية - متبعا اقتراحات القراء - أن أتوسع توسعا معتدلا في عدة اتجاهات. لقد أضفت خرائط إضافية، وحدثت قائمة المصادر، وأدمجت مسردا للمصطلحات في الفهرس. وأضفت قسما جديدا عن كيفية تلقي القصائد الهوميرية في العصور القديمة، بالإضافة إلى استعراض للاكتشافات الجديدة في طروادة. كذلك توسعت في معالجتي للنظرية الشفاهية، وأضفت تعليقات على المقومات الأدبية للقصائد، وأدخلت أكثر من عشرين صورة فوتوغرافية. ولا تزال الطبعة الثانية تحتفظ بسلاسة وإيجاز الطبعة الأولى، ذلك ما آمل، وآمل كذلك أنها سوف تظل بمثابة مقدمة مناسبة لمبحث الدراسات الهوميرية الشاسع.
أود أن أشكر زميلي ويليام أيلوارد، الذي نقب في موضوع طروادة وقدم لي الكثير من الآراء المتبصرة لهذه الطبعة حول هوميروس وصلته بالتاريخ.
مقدمة
عندما أذكر «هوميروس» و«القصائد الهوميرية»، فإنني في هذا الكتاب أعني ملحمتي «الإلياذة» و«الأوديسة» المنسوبتين إلى هوميروس منذ أقدم العصور. هل كان هذا الشاعر حقا يدعى هوميروس؟ هل كان له وجود من الأساس؟ لا شك في أن ثمة قصائد ليست من نسج قريحة مؤلف «الإلياذة» و«الأوديسة» ونسبت إلى «هوميروس» إبان الحقبة الكلاسيكية (انظر التسلسل الزمني)، ولكنها كانت في مرحلة زمنية متأخرة. ومثل هذه الإسنادات الباطلة تعد شهادة بمكانة «الإلياذة» و«الأوديسة» في الحقبة الكلاسيكية. لا بد وأن اسم «هوميروس» له مصدر ما، والأغلب الأعم أنه بسبب أنه كان اسم شاعر شهير. تعني كلمة
homeros
اليونانية «رهين»، وقد بحث كثيرون عن دلائل في ذلك الشأن، أو التمسوا تفسيرات خيالية لاسم هوميروس. بيد أن هذه الأناشيد لم تظهر من العدم، ولم تتبلور من تراث تقليدي: فثمة شخص أنشدها. فالشعراء هم من ينظمون القصائد. فهل نسي اسم ذلك المنشد العظيم إلى الأبد، ثم سرعان ما استبدل باسم «هوميروس» الغامض؟ ومن الجائز أن اسم الشاعر الذي أنشد هذه الأناشيد كان في الحقيقة هوميروس، مثلما كان الجميع يرددون دوما.
إن السكوت الممنهج اللافت في «الأوديسة» عن وقائع رويت في «الإلياذة»، ولم تتكرر مطلقا في «الأوديسة»، والجهود الجلية في «الأوديسة» لاستكمال قصة حرب طروادة يوضحان أن منشد «الأوديسة» عرف «الإلياذة» التي بين أيدينا معرفة وثيقة تفصيلية؛ فعلى سبيل المثال، تتضمن «الأوديسة» قصة حصان طروادة وتصف جنازة آخيل. لا بد وأن نفس الشاعر، وهو هوميروس، قد أنشد القصيدتين، على الرغم من طرح المعلقين منذ العصور القديمة تساؤلات حول هذا الأمر؛ ومع ذلك لم يكن ثمة طريقة أخرى من الممكن أن يعرف بها شاعر «الأوديسة» نص «الإلياذة» تلك المعرفة المتقنة. فلم يكن ثمة مكتبات في زمن هوميروس ولا جمهور قراء. بل إنه في القرن الخامس قبل الميلاد لم يمتلك إلا قلة من الناس نسخا كاملة من القصائد. ولم يكن ممكنا للمنشدين المحترفين، أمثال هوميروس، أن يكونوا قارئين تحت أي ظرف من الظروف؛ فالمنشدون المحترفون لا يتحاشون تكرار عناصر أو أفعال استخدمها شاعر آخر في قصيدة عن موضوع ذي صلة؛ بل كانوا يفعلون العكس! وحده طرح مؤلف واحد يمكن أن يفسر السبب في أن «الأوديسة» تكمل التقاليد الواردة في «الإلياذة» ولا تكررها.
لا تعد «الإلياذة» و«الأوديسة» أقدم الأعمال الأدبية الباقية في التراث الأبجدي الغربي الإغريقي فحسب، ولكنها تعد، مع قصائد هيسيود، أقدم الأعمال الكاملة للكتابة الأبجدية من أي نوع. فيكاد لا يوجد أي شيء باق (عدا شذرات) بين هذه القصائد، التي تظهر في فجر الإلمام بالأبجدية الإغريقية، وبين الإنتاج الأدبي الغزير الذي اتسمت به أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. فلماذا لم تنج «الإلياذة» و«الأوديسة» فحسب، بل أصبحت تمثل الكلاسيكيات الأدبية الأساسية للحضارة الغربية؟ كيف صارت أدبا كلاسيكيا ولماذا؟ ما حل هذا اللغز؟
علينا أن نتوقف لبرهة ونتساءل: ما «الإلياذة» وما «الأوديسة»؟ في المقام الأول، إنهما ينتميان إلى ما يطلق عليه «نصوص»، وهي أشياء مادية ملموسة قابلة للفساد، والتحلل، والتغيير المتعمد، ولها تاريخ في العالم المادي. هما «أشياء» وهو ما ننساه عندما نفكر في خصائصهما من الناحية الأدبية. نريد أن نعرف كيف ظهرت هذه النصوص للوجود وأين، ولماذا، ومتى. هذا هو مبحث «ملحمتا هوميروس عند علماء فقه اللغة»، الذين يريدون أن يعرفوا الحال الذي كان يبدو عليه أول نص، وعلام كان ينص. يبحث علماء فقه اللغة في شأن ملحمتي هوميروس من الناحية المادية حيث للرموز على الورق أشكال معينة يمكن تفسيرها بطرق شتى.
Página desconocida
كذلك تعد ملحمتا هوميروس أخصب مصدر للمعلومات عن اليونان القديمة؛ فقد كانتا دوما عملا كلاسيكيا عن اليونان نفسها وكل ما تدين به الثقافة الغربية لليونان. فلا وجود لشيء اسمه «اليونانيين» من دون القصائد الهوميرية. ماذا تروي لنا ملحمتا هوميروس عن الماضي؟ عن الترحال، والزواج، والتجارة، والحرب، والعمارة، والاقتصاد، والسياسة، والدين؟ هذا هو مبحث «ملحمتا هوميروس عند المؤرخين»، وذلك هو المنظور الثاني لملحمتي هوميروس في بحثنا، وهو أنهما عبارة عن وثائق مدونة تحكي لنا عن الماضي.
ولكن ملحمتي هوميروس تعني للغالبية، ممن ليسوا علماء في فقه اللغة ولا مؤرخين، القصص التي يحبها الجميع ويحبون الحديث عنها، وتأخذهم نشوة النظم فيها. إن قصص ملحمتي هوميروس هي التي تجعل منهما عملا كلاسيكيا. ويعتبر مبحث «ملحمتا هوميروس عند القارئ» - المنظور الثالث لملحمتي هوميروس في بحثنا - هو المبحث الأكثر أهمية؛ لأنه ما يجعل لجهود علماء فقه اللغة والمؤرخين قيمة.
في هذا الكتاب الموجز، سوف أبحث في الجزء الأول الجوانب الثلاثة لملحمتي هوميروس. وانطلاقا من هذه المنظورات، سوف أقود القارئ في الجزء الثاني عبر القصائد على نحو سريع بعض الشيء، وفي غضون ذلك سوف أشير في سياق العرض إلى جوانب فقه اللغة، والجوانب التاريخية والأدبية التي اجتذبت الاهتمام لما يناهز ثلاثة آلاف عام. بعد ذلك، في الجزء الثالث، سوف أصف كيف فهم الإغريق والرومان اللاحقون ملحمتي هوميروس وحاكوهما. وأخيرا، سوف أستعرض بعض الأعمال الأدبية الإضافية الهامة التي تناولت ملحمتي هوميروس إلى جانب اقتراحات لمراجع إضافية للاستزادة.
الجزء
الخلفية
الفصل الأول
ملحمتا هوميروس عند علماء فقه اللغة
علماء فقه اللغة هم «عشاق اللغة» وكل شيء عن اللغة يثير اهتمامهم، ولكن ليس اللغة من ناحية كونها ملكة بشرية عامة؛ فعلماء اللغويات يضطلعون بذلك. إن علماء فقه اللغة الكلاسيكيين مهتمون تحديدا باللغتين اليونانية واللاتينية، أو بما يمكننا أن نستنتجه بشأنهما من العدد الضخم من الصفحات المكتوبة التي لا تزال باقية. غير أنه من السهل أن ينسى علماء فقه اللغة أننا لا نعرف شيئا عن اللغتين اليونانية واللاتينية بطريقة مباشرة، وإنما نتعامل دوما مع تجسيد مكتوب يستند إليهما. فالكتابة هي نظام يعبر عن اللغة باستخدام رموز مكتوبة وهي ليست - بأي حال من الأحوال - وسيلة علمية لتجسيد الخطاب الشفهي. وعلى ذلك فإن البون شاسع جدا بين الكتابة والخطاب الشفهي، كما يدرك مثلا أي أحد يدرس اللغة الفرنسية، ثم يسافر إلى باريس.
وهكذا لم يكتب للخطاب الشفهي اليوناني القديم واللاتيني البقاء، لكن «النصوص» بقيت، وأصل كلمة «نصوص» بالإنجليزية هو كلمة لاتينية تعني «شيء منسوج». يسيء كثيرون فهم ملحمتي هوميروس بعجزهم عن تذكر أنها نصوص وأن النصوص مكتوبة برموز؛ أما الخطاب الشفهي، فعلى العكس، ليس مرمزا (رغم أنه قد «يكون» هو نفسه رمزا). ويحتمل في النصوص أن تبقى إلى الأبد، أما الخطاب الشفهي فسريع الزوال. النصوص هي أشياء مادية وعرضة للفساد والإفساد والخطأ. أما الخطاب الشفهي فغير مادي ويختفي على الفور. لقد مات هوميروس منذ زمن بعيد، لكن نصوصه سوف تبقى إلى الأبد.
من أين أتت «نصوص» هوميروس؟ هذا هو السؤال الذي يرغب عالم فقه اللغة في التوصل إلى جواب له أكثر من أي شيء آخر. (1) ما المقصود بالنص الهوميري؟
Página desconocida
من السهل العثور على نصوص القصائد الهوميرية؛ فهي تطبع باستمرار منذ أول إصدار مطبوع لها في فلورنسا في عام 1488، بعد أعوام فقط من اختراع الطباعة بواسطة الحرف الطباعي القابل للحركة. ولأن النص شيء مادي، فإن له شكلا معينا: ليس فقط نسيج ولون الورق أو الجلد، وإنما الاصطلاحات التي تشكل بها الرموز. كانت الإصدارات المطبوعة الأولى معدة بخطوط تحاكي شكل الكتابة اليدوية في المخطوطات البيزنطية من العصور الوسطى، وهو نظام لضبط التهجئة (أي: «طريقة للكتابة») تغير كثيرا منذ الأزمنة القديمة، يشتمل على الكثير من الاختزالات والأحرف المزدوجة التي يدمج فيها أكثر من حرف في رمز واحد. بالتأكيد لم يكن أفلاطون يستطيع قراءة النص المطبوع الأول لأعمال هوميروس، ولا يستطيع الباحث المعاصر ذلك دون تدريب خاص، وحتى الأستاذ الجامعي الذي أمضى حياته بكاملها في تدريس ودراسة اللغة اليونانية القديمة.
في القرن التاسع عشر، حلت خطوط الطباعة واصطلاحات ضبط التهجئة الحديثة محل الاصطلاحات المطبعية المعتمدة على المخطوطات المكتوبة باليد في بيزنطة قبل اختراع الطباعة، ولكن لم تسع مثل هذه الاصطلاحات الحديثة إلى إعادة صياغة الشكل الكائن، أو الطابع المادي، لنص قديم لهوميروس. على سبيل المثال، تحاكي أشكال الحروف الأبجدية اليونانية في طبعة تي دبليو ألين من ملحمتي هوميروس ضمن سلسلة «أكسفورد كلاسيكال تيكست»، التي نشرت لأول مرة عام 1902، الكتابة اليونانية الرائعة والعصرية تماما بخط اليد لريتشارد بورسون (1759-1808)، الأستاذ بجامعة كامبريدج ذي الشأن في النقد النصي في أوائل العصر الحديث. تبدو هذه اللغة اليونانية سليمة لأي شخص يدرس اليونانية، لنقل، بجامعة أكسفورد أو بجامعة ويسكونسن في الوقت الحاضر؛ كونها مستوفية للرسم الصغير والكبير للأحرف الأبجدية، والنبرات (علامات النطق)، وعلامات النفس (أي، نطق الكلمة بصوت الهاء أو من دونه)، وعلامة الفصل ( ̈) ذات النقطتين الأفقيتين (التي تفصل نطق حرفي علة (متحركين) متجاورين)، وعلامات الترقيم، وتقسيم الكلمة إلى مقاطع، وتقسيم الفقرات. وفيما يلي الشكل الذي يظهر عليه نص السبعة أبيات الأولى من «الإلياذة» بكتابة عصرية مطبوعة (من مكتبة لوب الكلاسيكية، انظر أيضا شكل
1-1 ):
إذا كنت تدرس اللغة اليونانية في وقتنا هذا، وتدرس أحد المقررات الدراسية عن أعمال هوميروس، فستتوقع أنك تستطيع ترجمة صيغة كهذه. وتخال أنك تقرأ «قصائد هوميروس» كما كتبت بها في الأصل، ولكن في حقيقة الأمر أن قواعد الكتابة (ضبط التهجئة)، أو الطريقة المكتوب بها الأشياء، هي مزيج لم يكن له وجود مطلقا قبل القرن التاسع عشر الميلادي؛ إذ إن ثمة نسقا متكاملا لنبر الحروف، أحيانا فقط يكون دلاليا (أي «يحمل مغزى»)، لا يظهر حتى حوالي عام 1000 ميلاديا في الكتابة اليونانية ولا يستخدم قط باستمرار. والتمييز بين الحروف ذات الرسم الصغير وذات الرسم الكبير هو شيء يعود إلى العصور الوسطى. يرسم حرف سيجما الذي يستخدمه بورسون عندما يكون في وسط الكلمة هكذا
σ ، ولكن في الحقبة الكلاسيكية كان في صورة خط متعرج رأسي
Σ (ومن هنا ظهر حرف ”
S “ الذي نعرفه) وبعد الحقبة الإسكندرية، كان دائما ما يتخذ شكلا هلاليا
C (أو ما يطلق عليه حرف «سيجما الهلالي»)؛ ويبدو أن الشكل
σ
هو من ابتكار بورسون. وعلامة الفصل أو النقطتان الأفقيتان اللتان تستخدمان للدلالة على أن الحرفين المتحركين ينطقان منفصلين (مثل:
Página desconocida
προϊαψεν )، هي أمر مصطلح عليه في الطباعة المعاصرة. أما نقاط الوقف والفاصلات فهي حديثة، كحال مسألة تقسيم الكلمة إلى مقاطع، ولم تكن معروفة في اللغة اليونانية الكلاسيكية القديمة.
شكل 1-1: إعادة بناء للأبيات الخمسة الأولى من ملحمة «الإلياذة» بطريقة كتابة قديمة مهجورة، تكتب من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين (نقلا عن كتاب بي بي باول، «هوميروس وأصل الأبجدية اليونانية»، كامبريدج، المملكة المتحدة، 1991، شكل
1-7 ).
لربما كان سيؤدي نص طبعة «أكسفورد كلاسيكال تيكست» من ملحمتي هوميروس إلى حيرة ثوكيديدس أو أفلاطون بقدر ما فعل أول نص مطبوع لهما وقائم على اصطلاحات ضبط التهجئة والرموز البيزنطية. ولربما كان النص الأقدم كثيرا، ويمكننا أن نقول الأصلي، لملحمة هوميروس، الذي يبدو أنه كان يشبه شكل
1-1 ، سيربكهما بالقدر نفسه. فاتجاه القراءة يتبدل جيئة وذهابا من اليمين إلى اليسار، ثم من اليسار إلى اليمين (فيما يطلق عليه «البطرفة» أو «كتابة حرث الثيران»، والكلمة مشتقة من اللفظة اليونانية
boustrophêdon
وتعني «الدوران كالثور وهو يحرث»). في هذا النمط الأقدم للكتابة الإغريقية، ونحن بصدد إعادة بنائها من نقوش قليلة، ليس ثمة تمييز بين حرف «أوميكرون»
omicron
الذي يعادل حرف
ŏ
Página desconocida
القصير وبين حرف «أوميجا»
omega
الذي يعادل حرف
ō
الطويل، أو بين حرف «إبسيلون»
epsilon
الذي يعادل حرف
ĕ
القصير وبين حرف «إيتا»
eta
Página desconocida
الذي يعادل حرف
ē
الطويل، والحروف الساكنة المشددة تكتب كحروف ساكنة مفردة. ولا يوجد تقسيم للكلمات إلى مقاطع ولا رسم صغير وكبير للأحرف الأبجدية، ولا علامات تشكيل مثل النبرات، أو أحرف كبيرة من أي نوع.
عند قراءة نص قديم كهذا، تحدث عملية تبادل المعنى من الشيء المادي إلى العقل البشري بطريقة مختلفة عما يحدث عندما نقرأ ملحمتي هوميروس بقواعد الكتابة (ضبط التهجئة) اليونانية بطريقة بورسون، أو بالترجمة الإنجليزية.
يهتم علماء فقه اللغة اهتماما شديدا بالكيفية التي ربما كان يتم بها هذا الأمر. في ظاهر الأمر أن القارئ اليوناني في القرن الثامن قبل الميلاد كان يفك رموز كتابته «سماعيا». ولهذا السبب لم يشعر اليوناني القديم، سواء كان رجلا أو امرأة، بالحاجة إلى تقسيم الكلمات إلى مقاطع أو إلى تقسيم السطور أو الأبيات، أو إلى علامات تشكيل، أو علامات لتحديد الفقرات، أو علامات اقتباس؛ لأن الرموز بالنسبة إليه (ولها في حالات نادرة) كانت تعبر عن فيض متصل من الأصوات. وبعد ألف سنة من تأليف ملحمتي هوميروس، ظل الإغريق لا يقسمون كلماتهم (في اللغة اللاتينية، غالبا ما كانت الكلمات تقسم منذ أقدم العصور).
حينما نقرأ اللغة اليونانية المعاصرة (أو الإنجليزية)، في المقابل، فإننا نفك رموز النص «بالنظر». ونهتم اهتماما بالغا بتحديد الموضع الذي تنتهي فيه إحدى الكلمات والموضع الذي تبدأ عنده أخرى؛ فهيئة النص دلالية، أي إنها تحمل معنى، ومثال ذلك عندما يخبرنا حرف كبير أن «جملة ما تبدأ هنا»، أو عندما تطلعنا نقطة على أن «جملة ما تنتهي هنا»، أو عندما تقول لنا مسافة ما إن «الكلمة تنتهي هنا.» صحيح أن نص ملحمتي هوميروس الذي بين أيدينا ينحدر مباشرة من نص إغريقي قديم، ولكننا نتلقى النص بطريقة مختلفة.
عندما يسعى علماء فقه اللغة المعاصرون إلى استعادة «نص أصلي» أقرب ما يمكن من ملحمتي هوميروس، كما يزعم المحررون، فهم في الحقيقة لا يقصدون مطلقا أنهم سوف يعيدون بناء نص أصلي، لربما كان هوميروس سيعترف به. بل إنهم يقدمون تخريجا للكيفية التي قد يفسر بها نص أصلي تبعا للقواعد الحديثة. فما يبدو أنه «قواعد كتابة (ضبط التهجئة)»، أو بكلمات أخرى «الطريقة التي يكتب بها شيء ما»، في نص حديث لملحمتي هوميروس، هو في الحقيقة توضيح تحريري للمعنى والتراكيب النحوية للجمل. ولو قدم لنا المحررون ملحمتي هوميروس الأصليتين، كما كانتا حقا، لما استطاع أحد قراءتها. (2) النصوص الأقدم
غير أن ملحمتي هوميروس عند علماء فقه اللغة تتمثلان دائما في «نصهما»، كيفما قد يكون اهتمام أي أحد بكتابته أو طباعته. التحقيق بشأن أصل هذا الشيء المادي الافتراضي، هذا النص، هو المبحث الشهير الذي يعرف ب «المسألة الهوميرية»
Homeric Question (من الكلمة اللاتينية
quaestio ، وتعني «تحقيق»)، وهو مبحث محوري في العلوم الإنسانية لما يربو على مائتي عام. متى ظهر هذا النص للوجود؟ أين ولماذا؟ كيف وعلى يد من؟ كيف كان يبدو؟ ليتنا عرفنا مصدر القصائد الهوميرية، لنعرف أصلنا نحن، أو أجزاء كبيرة منا. ولأننا نسل ملحمتي هوميروس الثقافي، فقد احتفظت المسألة الهوميرية بالاهتمام والولع الفائقين بها.
Página desconocida