قبل الاختبارات، سوف يقيم الملك وليمة عامرة. أنزل نيستور تليماك في ضيافته، وأنزل مينلاوس تليماك في ضيافته، وأنزلت كاليبسو أوديسيوس في ضيافتها، وسوف ينزل الفياشيون أوديسيوس في ضيافتهم، إن أوديسيوس هو أيضا الرجلإن أوديسيوس هو أيضا الرجل وكانت أفضل مأدبة فيها جميعا هي تلك التي تضم ديمودوكوس المنشد الملحمي الشهير الذي يقوم بدور المرفه. ولا يسعنا إلا أن نعجب بالصورة الذاتية التي رسمها هوميروس لديمودوكوس:
ثم دنا المنادي، وهو يقود «المنشد» الطيب، الذي أحبته إلهة الإلهام (الميوز) أكثر من كل الرجال الآخرين، وأعطته خيرا وشرا معا. فحرمته من بصره، ولكنها منحته هبة الغناء العذب. وضع له المنادي بونتونوس كرسيا مرصعا بالفضة وسط المضيفين، مسندا ظهره إلى عمود طويل، وعلق القيثارة ذات النغم الصافي في مشجب قريب فوق رأسه، وأراه كيف يمد يده ليصل إليه. وبجواره وضعت سلة وطاولة جميلة، وكأس من الخمر، ليتجرعها عندما يعن له ذلك. (الأوديسة، 8، 62-70)
يبدو أنه إلى هذه الفقرة تعزى الأسطورة القائلة إن هوميروس كان أعمى، بيد أن إدراكه البصري الفائق [في تصويره للأحداث والمشاهد] يجعل ذلك مستبعدا.
ينشد ديمودوكوس أغنية لا نعرف عنها أي شيء من مصدر آخر إطلاقا، وهي أغنية «نزاع آخيل وأوديسيوس». من المرجح أنه يشير بطريقة غير مباشرة إلى «الإلياذة»، التي تدور أيضا حول نزاع بين القادة. ربما تكون دموع أوديسيوس التي ذرفها عند سماع الأغنية قد تسببت في بدء مشهد تعرف ردا على السؤال «لماذا تبكي؟» ولكن هوميروس يريد أن يمتد في سرده بأقصى ما يستطيع، ليعزز قوة هذا التعرف.
وهكذا ينتقلون إلى ساحة اللعب. وبعد مسابقات مشابهة للألعاب الجنائزية لباتروكلوس في «الإلياذة»، يتهكم نبيل فياشي على أوديسيوس، قائلا إنه ليس في وسعه مطلقا أن يؤدي رياضة بدنية؛ بسبب خلفيته الاجتماعية التي من الواضح أنها من الطبقات الدنيا. يستنكر أوديسيوس الإهانة غير المبررة، ثم يبرهن على خلفيته الأرستقراطية بإلقائه قرص الرمي أبعد كثيرا من الآخرين جميعا. نعم إنه محارب حقيقي، من العالم الحقيقي، وعلى قدم المساواة اجتماعيا مع الفياشيين الذين يجوبون البحار، وهذا أقل ما يقال في هذا الشأن. يعتذر ألكينوس إلى الغريب ويبين سمات الشخصية الفياشية (الذي اشتبه البعض في كونه امتداحا لشخصية العوبيين الذين كانوا يجوبون البحار، في زمن ما معاصر لزمن الجمهور الذي يستمع إلى هوميروس مباشرة):
إننا لسنا ملاكمين أو مصارعين لا يشق لنا غبار، ولكننا سريعو الركض في سباق العدو، ونحن أفضل بحارة، ونحب الولائم والقيثارة والرقص وتغيير حلل الثياب والحمامات الدافئة، والاضطجاع على الأريكة. (الأوديسة، 8، 246-249)
من أجل تخفيف التوتر، يستدعي ألكينوس ديمودوكوس ثانية، الذي لا بد وأنه موسيقي بارع بالإضافة إلى مهارته في الغناء «االملحمي». فيعزف موسيقى مصاحبة لرقص أكروباتي معقد يتميز الفياشيون بالبراعة فيه، ثم يغني الأغنية السيئة السمعة «زنا آريس وأفروديت»، وهي أغنية كانت تناسب المزاج النوعي لجمهوره بموضوعها الذي يدور حول الخيانة الجنسية والتصوير شبه الإباحي للإلهة العارية في أحضان إله الحرب العاري بينما يلقي الآلهة الذكور الآخرون نظرات فاحصة. ما كان يمكن لهوميروس أبدا أن ينشد أغنية كتلك أمام نساء محترمات؛ فالغناء «الملحمي» هو غناء للذكور، وديمودوكوس في هذه الحالة يغني أمام جمهور كله من الذكور. الأغنية عبارة عن دعابة تأتي ذروتها عندما يحرض أبولو هيرميس على الكلام. عندما يسأله هل يريد أن يكون محل آريس؟ فيرد هيرميس قائلا بالقطع لا! يكرر موضوع الأغنية تكرارا بارعا، في شكل فكاهي، مثلث الحب الجاد جدا مينلاوس/هيلين/باريس، الذي تسبب في حرب طروادة وأدى إلى موت الآلاف، بمن فيهم باريس، مثلما يكرر مثلث أجاممنون/كلتمنسترا/إيجيسثوس، الذي أدى إلى موت أجاممنون، وإيجيسثوس، وكلتمنسترا. سوف يكون لمثلث الحب أوديسيوس/بينيلوبي/الخطاب محصلة مختلفة، بفضل امرأة تعرف كيف تقول لا.
لا يزال ثمة متسع من الوقت لألعاب أكروباتية، ثم الذهاب إلى القصر من أجل الاغتسال على يد الأميرات، وهي عادة محببة تكررت مرات عدة في «الأوديسة». يرى أوديسيوس الممجد ناوسيكا مرة أخرى، وتودعه وداعا مؤثرا:
وداعا، أيها الغريب، وآمل أن تذكرني بعدئذ حتى في بلدك الأم؛ لأن لي أنا أولا أنت مدين بحياتك. (الأوديسة، 8، 461-462)
لم تستطع الزواج منه، ولكنها بالفعل أنقذته؛ إذ تلقفته عاريا من البحر وكأنها أم بديلة.
Página desconocida