على أن المختار عندنا أن صلاته في بيته لا تجزيه عن الجمعة إذا أدركها، لأن المتعين عليه حينئذ الجمعة، وصلاته في بيته بلا عذر لا تسقط عنه المتعين عليه من فرض الجمعة، وتخصيصه في الجمعة بما ذكر لا يجزي عندنا، لأنه استدلال بالمسكوت عنه فيحتمل سكوته - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك معاني لا توجب تخصيص الجمعة بذلك الحكم، فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سكت عن أمرهم بذلك حيث إن التاركين لذلك لم يكونوا ناسا معروفين بأعينهم حتى يقصدهم بذلك، ويحتمل غير ذلك أيضا، ويحتمل أنه أمرهم بالإعادة فلم ينقل إلينا إذ ليس كل ما وقع في زمانه - صلى الله عليه وسلم - منقولا إلينا، ويحتمل أنه نقل فلم يشتهر، ومع بعض هذا لا يكون حجة على ما ذكر، فكيف مع جميعه، وأيضا فالطبع على القلب إنما هو عقوبة الذنب فليس فيه دلالة على أن تارك الجمعة مرة أو مرتين لا يهلك وإنما غاية ما فيه أنه لا يعاقب تاركها بهذا العقاب الخاص إلا إذا تركها ثلاثا، وعلى هذا فلا تكون الجمعة مختصة من بين سائر الفرائض بشيء مما ذكر، ويكون توجيه كلام أصحابنا في عدم البراءة منه في المرة الأولى وفي الثانية هو أنه لما كانت تلك الأحاديث بحسب ظاهرها محتملة أن تكون مخصصة للجمعة بهذه المزية من غيرها، وكانت البراءة عندهم لا تنبني إلا على صحة شرعية، ولا يقيمونها على شبهة انتظروا بتاركها المرة الأولى والمرة الثانية مراعاة لظاهر الحديث، واحتياطا لدينهم، وتثبتا في الإسلام ورفقا بالمؤمنين، والله أعلم (¬1) .
المقصد الأول: في شروط وجوب صلاة الجمعة
¬__________
(¬1) - ... حول مباحث ومسائل الولاية والبراءة عند الإباضية انظر مثلا؛ الكدمي: الاستقامة، الجزءان الأول والثاني، كلهما. الجيطالي: قواعد الإسلام، 01/45 وما بعدها. اطفيش: الذهب الخالص، ص33 وما بعدها.
Página 53