وقيل: "وكذلك من كان في المصر المتصل عمرانه فلا يجب عليه حضور الجمعة من أبعد من فرسخين أيضا". قال أبو سعيد: "وهذا القول هو عندي أكثر قولهم، قال: وأحسب أنهم ذهبوا في ذلك إلى معنى سقوطها عن المسافر في معنى الاتفاق، والمسافر معهم من جاوز الفرسخين من وطنه، فإذا ثبت أنه لا جمعة على المسافر لموضع بعد السفر عليه، فمثله لو كان في المصر وكان بينه وبين موضع صلاة الجمعة فرسخان في البعد من موضع الجمعة لم تلزمه الجمعة"؛ انتهى (¬1) .
وأقول: إن قياس الحاضر في هذا الحكم على المسافر لا يتم لأن المسافر قد خص في صلاة الجمعة بحكم لا يشاركه فيه الحاضر، وقد خص الحاضر بخطاب في حكم صلاة الجمعة لا يشاركه فيه المسافر؛ فقياس كل واحد منهما على الآخر مع وجود النص الخاص به قياس مع نص، وإن اتحدت العلة -مثلا- فما ذهب إليه الإمام جابر هو الوجه عندي، والله أعلم.
[بيان كيفية فرض الجمعة، وأنه فرض على الأعيان]:
وبالجملة فالسنة في وجوب الجمعة مشهورة متواترة، والأحاديث في ذلك متوافرة متكاثرة، فالواجب حينئذ أن نبين كيفية فرض الجمعة أهو فرض عين أم فرض كفاية؟
قال في الإيضاح: "وهي فرض على الأعيان لما روي أنه قال - عليه السلام - « لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن صلاة الجمعة » (¬2) .
¬__________
(¬1) - الكندي: بيان الشرع، 15/30.
(¬2) - ... ...عن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة «لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم». صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة والتشديد في التخلف عنها، 05/155. المسند للإمام أحمد، 01/402، 422، 450، 461.
... ملاحظة: لم يذكر صاحب المعجم المفهرس رواية مسلم لهذا الحديث بل اكتفى برواية أحمد فقط.
Página 48