ودليله على ذلك حديث أبي هريرة «الجمعة على من آواه الليل إلى أهله» (¬1) . وأنت خبير أنه لا جمعة على المسافر لاستثنائه ممن تجب عليه بما سيأتي من الأدلة على ذلك، فيجب أن يحمل كلام الإمام جابر هاهنا على من كان في المصر الذي تقام فيه الجمعة ولم يكن بين أهله وبين مقام الجمعة فاصل من الأمكنة الخربة، وإنما كانت العمارات متصلة بينهم، فإنه يجب عليه في مثل هذه الحالة أن يأتي الجمعة وإن بعدت من أهله قدر فرسخين أو ثلاثة فراسخ إذا كان يؤويه الليل إلى أهله، لأنه في هذه الصورة لم يكن مسافرا فيتوجه إليه الخطاب بحضور الجمعة، فإن كان ممن لا يؤويه الليل إلى أهله فلا يجب عليه حضورها لحصول المشقة، والمشقة تجلب التيسير. وعلى هذا التقرير فإن أمكن أحدا من الناس ممن اتصلت منازلهم بمحل الجمعة أن يحضر الجمعة من مسافة شهر -مثلا- وأمكنه أن يصلي الفجر في أهله، وأن يؤويه الليل إلى أهله بركوب السفينة الجارية على البر، ولم تحصل له عند ذلك مشقة فعليه أن يحضر الجمعة فيصليها مع الجماعة لدخوله تحت عموم «من آواه الليل إلى أهله فعليه الجمعة». وإن كانت العمارات منقطعة، والبلدان منفصلا بعضها من بعض فلا يجب حضور الجمعة إلا على من كان أهله دون الفرسخين، لأنه إذا كان أبعد من الفرسخين يكون في محل الجمعة مسافرا، ولا جمعة على المسافر لما سيأتي، فلا يجب عليه حضورها.
¬__________
(¬1) - ... رواه الترمذي وقال: ...وهذا حديث إسناده ضعيف، إنما يروى من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري، وضعف يحي بن سعيد القطان عبد الله بن سعيد المقبري في الحديث. سنن الترمذي، أبواب الجمعة، باب ما جاء من كم يؤتى إلى الجمعة، رقم499، 500، 01/06-07.
Página 47