كانت ماري عند زواجها في السادسة عشرة، وكان زوجها في الخامسة عشرة، ولم يكن بينهما حب، بل كانت تحتقر زوجها، ولا تبالي أن تظهر ذلك؛ فقد كان عليلا يقضي ليله في التأوه، وكان في أذنه خراج، يقض مضاجعه، ولم يكمل عامه الأول حتى مات، ولم تكن علاقتها مدة حياة زوجها بحماتها حسنة؛ فقد كانت كلتاهما تبغي الاستئثار بالحكم في فرنسا، وكانت ماري تعيرها بأنها «ابنة صيدلي».
فلما مات زوجها زالت سلطتها عن فرنسا، وعزمت على أن ترحل إلى اسكوتلاندا، حيث عرشها الشرعي الذي ورثته عن أبيها. وكان يستغرق لبها الآن عاطفتان قويتان؛ إحداهما: الطموح إلى القوة والسيادة، بحكم هذا الدم الذي ورثته عن سلالة ممتدة من الملوك. والأخرى: عاطفة الحب التي هاجها الوسط، وأثارها الزواج، دون أن تجد فيه ما يرضيها. وحكي أنه عندما بلغت الثامنة عشرة اهتاجت عواطفها اهتياجا عظيما، فكانت تخفف شدتها بتقبيل الأطفال ومعانقة الفتيات، وتأذن للشعراء في إنشادها ووصف محاسنها وتقبيل يديها.
وكانت كاثوليكية المذهب، في حين أن رعاياها الاسكوتلانديين كانوا من غلاة البروتستانتية، فلما نزلت أرض بلادها استقبلها الناس بفتور، وبخاصة لأنها كانت محوطة بحاشية من الأجانب الذين كانوا يخدمونها وهي في فرنسا، وكان رعاياها يخشون منها، ويتوجسون خيفة أن تغير المذهب الرسمي الذي اختارته البلاد.
وكانت عقب وفاة زوجها قد عرفت أحد نبلاء بلادها اللورد بوثول، وكان أكبر منها قليلا في السن، زارها وهي في فرنسا، فشعرت لأول رؤيته بتلك الهزة التي تختلج الجسم، وتنبئ بانبثاق الحب الصحيح بين طبيعتين مؤتلفتين. وقد وصف الأديب المعروف موريس هيولت هذا اللورد بقوله:
كان رجلا مفراحا يتوهج بالدم، عريض الكتفين مربع الفكين، وكانت ضحكته عاجلة عالية، يحسب من يسمعها أنه لن يكون غم حيث تكون هذه الضحكة، وكان يتفنن في اللباس والركب ومصاحبة الإخوان، له على الدوام سيماء الشجعان، وكان لون وجهه يدل على حبه الطعام، ولكنه كان يدل أيضا على موفور العافية والقوة، وكانت أرنبة أنفه قد هشمت، ولكن قل من كان يلحظ ذلك، أو يفكر في العربدة التي أدت إلى هذا الهشم، وكانت صراحته وعدم اكتراثه لشيء، من أكبر أسباب فتنته.
وكان إلى شجاعته وفتوته وحبه للنساء، وتسرعه إلى تجريد سيفه عند الغضب، يعشق الآداب، يقرأ الإيطالية والفرنسية، ويكتب اللاتينية، ويقتني الكتب، فكان شخصه لذلك جماع ما تطلبه ملكة متوثبة العواطف من عشيقها؛ ولذلك أقبلت عليه ماري ومحضته حبها فلازمها، وصار أحد بطانتها.
وكانت كراهية الاسكوتلانديين حافزا على أن تسير سيرة العدل معهم، فلم تمض سنوات حتى عرف لها رعاياها عدلها فأحبوها. وكان جون نوكس نفسه - وهو من غلاة الشيعة البروتستانتية - يضطر إلى الإشارة إليها باللطف والأدب.
وأرادت ماري أن تبالغ في اجتذاب عطف رعيتها عليها، فتزوجت من ابن عمها البروتستانتي اللورد دارنلي، واعتزمت من ذلك الوقت أن تصرم حبل صلتها السابقة باللورد بوثول، حتى طلبت إليه أن يتزوج، وأطاع اللورد بوثول نصيحتها، وتزوج بالفعل.
ولكن ماري كانت مخطئة، لم تصدق الحدس عن دخيلة قلبها، ولم تبحث البحث الكافي لمعرفة حقيقة خلق زوجها وابن عمها اللورد دارنلي؛ فقد دخل عليها في أول ليالي زواجها وهو سكران لا يعي، وكان خلوا من العقل، قد حشي رأسه بالغرور وقلبه بالأنانية، وكان يعتقد أن الملكة قد ترامت عليه لكي تتزوجه افتتانا به، فكان يتيه عليها ويبرمها.
وحدث أن خرج عليها بعض لورداتها عقب زواجها، فجندت بضعة من الرعاع، وقامت على رأسهم، وسارت نحو هؤلاء الخارجين فأخضعتهم، ومزقت شملهم، وعادت منصورة إلى عاصمة البلاد، فعلت ذلك كله دون أن يشاركها زوجها الذي امتلأ جبنا ونذالة.
Página desconocida