وبعد مدة أصدر أبيلار كتابا دعاه: «تاريخ ما نزل بي من المصائب».
فلما اطلعت عليه هيلوئيز أرسلت إليه خطابات متواترة تبثه حبها وولاءها، كأنها في أول سني حبها، وهذه الخطابات من أجمل وأروع ما كتبها عاشق؛ فقد أرسلت إليه تسأله أن يدلها على الطريق إلى الله، كما دلها قبلا على طريق اللذة والحب، فأجابها إجابة القسيس للراهبة، ويكفي أن نذكر السطر الأول من خطابه لندل إليه:
من أبيلار الأخ في المسيح إلى هيلوئيز الأخت في المسيح.
وقد وجددت هيلوئيز من جفاء عبارته ما أثار في نفسها الغضب، وأشعرها أن حبيبها القديم قد نسيها، فكتبت إليه تقول:
حبيبي
كيف استطعت أن تعبر عن هذه الأفكار، وكيف اهتديت إلى ألفاظ تؤديها؟ ليتني أجرؤ على أن أقول إن الله يقسو علي! إلا أني أشهد أني أتعس مخلوق. لقد كانت أيام حبنا لذيذة حلوة، حتى لا أقدر الآن أن أرد ذكراها عني، فأينما ذهبت تتخيل لي هذه الذكرى وتشعل في الرغبة القديمة.
ولكن أبيلار كان يحس في نفسه موت العاطفة الجنسية، فكان يكتب إليها بلهجة التباعد المتعفف المتزهد، فيأخذ في شرح الرهبانية واللاهوت والآداب وما إليها من الأشياء، التي لا تلبي نداء العاطفة التي كانت تختلج في صدر هيلوئيز، فكانت تحتج وتثور على هذا الجفاء بلا جدوى. وأخيرا أدركت ما ألم بصاحبها، فهدأت ثائرتها، واطمأنت إلى حالها ونكبتها.
وحكم على أبيلار بعقوبة كنسية لأقوال أخذت عليه، فسافر إلى رومية لكي يقضي حدها، فمات في الطريق، وحملت جثته إلى «الفارقليط». وعاشت هيلوئيز بعده 22 سنة، ترعى قبره وتحفظ عهده، ثم ماتت، فدفنت إلى جانبه، واختلطت عظامها بعظامه كما كانت تهوى، ونقلت رفاتهما إلى باريس حيث هما الآن.
شارل الثاني ملك إنجلترا
كانت أمه فرنسية، ونشأ هو يجيد اللغة الفرنسية، فلم تشق عليه المعيشة في ذلك الوطن الثاني. وكان لويس الرابع عشر متبوئا في ذلك الوقت عرش فرنسا، وكان يعرف أن الأمة الإنجليزية متى ذهبت عنها ذكرى هذه الخصومة بينها وبين ملكها لا بد عائدة إلى الملوكية، وستطلب ملكها الشرعي وتبوئه عرش آبائه، فرتب لذلك معاشا سنويا لهذا المليك الطريد، وأسكنه في قصره، وحاطه بحاشية، بحيث لم يكن شارل يشعر بأنه منفي غريب عن بلاده.
Página desconocida