وتحصن أنطونيوس بالإسكندرية، ولكن أكتافيوس هزمه مرتين، حتى سلمت له جميع جيوشه. وعرفت كليوبطرة عندئذ أنه قد قضي عليها هي وحبيبها، وأنها لا بد أن تقع أسيرة، وتقاد في شوارع رومية مقيدة بالأغلال من الذهب، وينظر إليها جمهور تلك العاصمة بين الاستهزاء والتشفي، فأشاعت في الإسكندرية أنها ماتت، حتى يكف أكتافيوس عن البحث عنها، وتبحث هي في خلال ذلك عن طريقة للنجاة. وبلغت الإشاعة أنطونيوس فانتحر، بأن غرز سيفه في بطنه وبلغ ذلك كليوبطرة فانتحرت هي الأخرى.
جميل وبثينة
كان جميل شاعرا، نشأ في قومه بني ربيعة بوادي القرى بين المدينة ومكة، فأحب فتاة تدعى بثينة من بنات قومه. وكان قد علقها صغيرا فاشتهر حبهما، ووصل خبره إلى أبيها. وكان من شر العادات عند العرب أنه إذا اشتهر حب بين اثنين منع أبو الفتاة المحبوبة زواجها من حبيبها؛ وذك خشية أن يتقول الناس عن سابق العلائق التي كانت بينهما قبل الزواج.
فامتنع أبوها عن تزويجه، فصار جميل يشبب بها، ويؤلف القصائد في وصفها ومقدار حبه لها، وربما كان غرضه من ذلك أن يلقي الشك في قلوب الأغراب، فيشعرهم بأن علاقته بها شديدة، ويكون من أثر ذلك فيهم أن يمتنعوا عن طلبها لأنفسهم من أبيها.
وكان ذلك في عصر الدولة الأموية في خلافة عبد الملك بن مروان، فاستعدى أهل الفتاة الوالي لكي يكف جميل عن التشبيب ببثينة. وبلغ ذلك جميلا، ففر إلى الشام، ونزل عند أحد وجوه بني عذرة، وكان يعرف خبره ويرحمه لما هو فيه من البلوى. ومما يحكى أن هذا الرجل احتال على جميل لكي ينسيه حبه، فزين سبع بنات، فكن يتصدين له متبرجات، ويعاودن ذلك حتى يعلق إحداهن، ففطن جميل للحيلة، وصد عنهن، وقال في ذلك:
حلفت لكيما تعلميني صادقا
وللصدق خير في الأمور وأنجح
لتكليم يوم واحد من بثينة
ورؤيتها عندي ألذ وأملح
لرؤية يوم واحد من بثينة
Página desconocida