El asedio de Troya: De la Ilíada de Homero
حصار طروادة: من الإلياذة لهوميروس
Géneros
كان رب البحر بوسيدون يرقب ما يجري لابنه، ويألم لما ينزل به. فلما لفظ أنفاسه تلبث قليلا حتى غفل عنه أخيليوس، والتقط جثته. واستدار أخيليوس ليرفع جثة غريمه إلى عربته، فكم كانت دهشته حين لم يجد غير حلة العملاق الحربية فارغة! لقد تلاشى العملاق فاستبدت الحيرة بأخيليوس، ولكنه نظر إلى الفضاء فرأى شيئا عجبا! رأى بجعة برية تسبح في زرقة السماء الصافية! لقد تحول كوكنوس إلى بجعة، ومنذ ذلك الحين التصقت به صفة الطائر السماوي، حتى إن الإغريق أطلقوا اسم كوكنوس على البجعة!
الفصل الثالث
عراك أخيليوس
روعت شجاعة أخيليوس نفوس الطرواديين ترويعا عنيفا، وأثارت في صدورهم الرعب، وأوقعت في صفوفهم الفزع. فما لبثوا أن أسرعوا إلى داخل مدينتهم، يحتمون بحصنها، ويقاتلون من خلف أسوارها، ولم تواتهم الجرأة على أن يخرجوا إلى السهل المكشوف لينازلوا الإغريق أو يقاتلوهم.
وأصغى الإغريق إلى نصيحة أوديسيوس، فحفروا خندقا حول خيامهم وسفنهم، وبنوا سورا له خمسة أبواب، يحيط بمعسكرهم، فلا يستطيع الأعداء أن يظهروه، ولا يستطيعون له نقبا.
ولم يهدأ للإغريق نشاط، ولم يفتر منهم حماس، فقد جعلوا همهم الإغارة على البلدان المجاورة لطروادة، وبث الرعب في قلوب قاطنيها، والاستيلاء على أموالهم، وسبي نسائهم. فاستطاع أخيليوس بسط سلطانه على بلدة ليرنيسوس، وظفر بفتاة جميلة تدعى بريسايس اتخذها زوجة، وكانت جائزته في تلك الغارة. كما أسر أغاممنون فتاة باهرة الجمال تدعى خريسايس، كانت ابنة خروسيس، كاهن الإله أبوللو. ولما علم ما حل بابنته أصابه هم فظيع، وأظلمت الدنيا في عينيه، وسعى خاشعا لأغاممنون يستعطفه، ويعرض عليه كل ما يملك لقاء أن يرد عليه ابنته. ولكن أغاممنون أغلظ للكاهن القول، وتوعده بالويل والثبور لو تلبث قليلا في معسكر الإغريق، فعليه أن يغادره سريعا حتى لا ينزل به أسوأ عقاب.
وخرج الكاهن العجوز كسير الفؤاد، حزين النفس، فما إن توارى عن معسكر الإغريق حتى بسط يديه نحو السماء، ودعا الإله أبوللو، بصوت تخنقه العبرات، أن يسعفه ويعاونه.
ورق إله الشمس لكاهنه العجوز؛ فابتلى الإغريق بمرض وبيل، راح يفتك بهم فتكا ذريعا، لا يفرق بين الرجال والماشية والخيول. وظل تسعة أيام يعصف بهم عصفا، والإغريق عاجزون، لا يملكون له دفعا إلا بالتضرع للسماء. ولكن الآلهة قد صمت آذانها عن دعواتهم، وأغمضت عيونها دونهم. فاجتمعوا للتشاور في أمر هذه الكارثة التي أصابت معسكرهم، فقال رجل حكيم منهم اسمه كالخاس، مخاطبا أخيليوس: «أي أخيليوس العظيم، لو وعدتني بالحماية، وأعطيتني العهد بالأمان، فسأفضي إليكم بالسبب الذي جعل الإله أبوللو ينزل بنا شديد عقابه، ويسلط علينا هذا الذي يوشك أن يأتي علينا جميعا لو دامت الحال أياما أخرى! إن كلماتي ستغضب رجلا ذا مقام عال بيننا، فلن أبوح بشيء، ولن أنطق بكلمة قبل أن تعدني بالحماية، وتتعهد بأنني لن يعرض لي أذى، ولن يمسني أحد بسوء!»
وأعطى أخيليوس الرجل عهدا بالأمان، فقال الرجل الحكيم كالخاس: «إن سبب غضب أبوللو علينا كل هذا الغضب أن أغاممنون كان فظا غليظا مع كاهنه خروسيس، ولن يهدأ للإله بال، ولن يرفع عنا ما نحن فيه، إلا إذا رد أغاممنون ابنة الكاهن إلى أبيها مكرمة، وقدم مائة ثور قربانا للإله!»
ولم يطق أغاممنون صبرا على ما سمع، فصاح: «إذا كان ضروريا لكي يرفع عنكم الإله ما أنتم فيه من كرب وبلاء أن أضحي بالجميلة خريسايس، فعليكم أن تعوضوني عن هذه التضحية بعذراء جميلة مثلها؛ فليس من العدل أن أكون وحدي بينكم المحروم من الجائزة!»
Página desconocida