Heródoto: Una Introducción Muy Corta
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
نزل حاملا قوسه وكنانته وسهامه تصلصل على كتفيه ...
كان مجيئه كالليل، ثم قعد الإله،
بعيدا عن السفن ورمى سهما.
فأحدث القوس الفضي رنينا مدويا. انقض على البغال أولا،
والكلاب السريعة، ثم الرجال ...
فتأججت كثيفة نيران محارق الموتى.
إن لدى الرب قلبا وكتفين وقوسا وكنانة وسهاما! وهو يقعد! هذا الإله الهوميري بعيد كل البعد عما نجده في عمل هيرودوت.
في الحقيقة، نادرا ما يصرح هيرودوت بإيمانه بإله معين من آلهة الأولمب، وهو أكثر ميلا بكثير إلى الحديث عن «الآلهة» كقوة هادية في الشئون الإنسانية منه إلى تحليل أهم المشاركين في الحروب الفارسية باعتبارهم يقاتلون على تضاريس أرضية، فيما تخطط آلهة الأولمب المشاكسون في السماء لقتلهم على سبيل الرياضة. فما نجده في «تاريخ هيرودوت» ككل هو قوة متسامية غير شبيهة بالبشر تمارس عملها. نعم، كثيرا ما يذكر «الإله»، لكن دون تحديد أي إله بوجه عام، كما يتحدث هيرودوت أيضا عن المصادفة الإلهية وعن التنبؤ وعن العناية الإلهية. ولم يكن هيرودوت منقطع النظير في توجهه، فأسلوبه في تناول «تلك القوة الموجودة هناك» يذكرنا بزعم زينوفان أن «هناك إلها واحدا، فوق الآلهة وأعظم الرجال، ولا يشبه البشر بأي حال، جسدا وعقلا.»
إذن، ما مجال الإله المتسامي في «تاريخ هيرودوت»؟ بادئ ذي بدء، يكاد الإله (لكن ليس بالكلية) يعمل كقوة من قوى الطبيعة للحفاظ على التوازن. فلماذا توجد أسد قليلة لكن توجد فيما يبدو أرانب لا حصر لها؟ إن هيرودوت لديه إجابة: بصيرة الإله في حكمته جعلت المخلوقات الوديعة واللذيذة كثيرة النسل، بحيث لا يفنى نوعها نتيجة افتراس أفراده، في حين أن الحيوانات الوحشية الضارية تنتج ذرية قليلة. فالأرانب البرية على سبيل المثال هي الحيوانات الوحيدة التي يمكنها أن تحبل ثانية وهي حبلى، بحيث تحمل الأنثى الواحدة في رحمها أجنة في مراحل متفاوتة من النمو، بعضها أملس، وبعضها مكسو بالفراء، وبعضها في طور التكوين (غير صحيح، ف «الحمل على الحمل» يمكن في الحقيقة أن يحدث لدى الأرانب، لكن المواليد تصل في مرحلة النمو ذاتها). من ناحية أخرى، لا تلد اللبؤة إلا شبلا واحدا في العمر؛ لأن براثن الشبل الحادة تدمر الرحم أثناء تحرك الجنين قبل مولده (مرة أخرى أقول كلا، وهذا أيضا منطق مغلوط؛ فوفقا لهذا الاستنتاج كانت الأسود ستنقرض قبل زمان هيرودوت بفترة طويلة!) هذا النوع من التوازن يظهر أيضا فيما يتعلق بمعارك الحروب الفارسية ذاتها، حيث يستحضر هيرودوت الإله بصفته مصدر عاصفة تهب قبالة جزيرة وابية، وتدفع عددا كبيرا من سفن الفرس إلى الارتطام بالساحل الصخري في الظلام. وهو يقول إن هذا من «فعل الإله» لتقليص ميزة الفرس العددية في البحر، وموازنة التفاوت الهائل بين أعداد الإغريق والفرس. ليس من الواضح أن إلها إغريقيا معينا مقصود هنا، ويبدو أن الهدف من وراء عدم تعيين إله هو الوصول إلى «معركة عادلة». وهكذا يحض ملتيادس الأثينيين على الهجوم دون إبطاء في سهل ماراثون، فيقول: «يمكننا الفوز في هذه المعركة إذا كانت الآلهة منصفة.» (والمعنى حرفيا: «إذا وزعت الآلهة الأشياء بالتساوي».)
يتحرك الإله أيضا لعقاب العجرفة والشطط. فهيرودوت يبدي سروره دون مواربة بتسجيل النهاية البشعة للملكة الإغريقية فرتيما التي جلبت غضب «الآلهة» (دون تسمية) بنسبها لنفسها انتقاما لا يجوز إلا للآلهة؛ فعندما قتل ابنها أركيسيلاوس، ملك قورينا بشمال أفريقيا، في بلدة برقة، خوزقت فرتيما من اعتبرتهم مسئولين عن الفعلة على مسافات على امتداد أسوار المدينة بكاملها، ولم يكفها هذا العمل الوحشي، إذ أمرت أيضا بتقطيع أثداء زوجاتهم وزينت بها الأسوار. لكن نهايتها لم تكن نهاية سعيدة؛ لأنها ماتت ميتة بشعة بعد ذلك مباشرة، حيث أكلت الديدان جسدها وهي حية، «كما لو أن الغرض أن يبين للناس أن الشطط في الانتقام يجلب سخط الآلهة.»
Página desconocida