ولا تكونُ المُحافَظَةُ إلاَّ بالمُبادَرَةِ، ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه، قال: "أوَّلُ وقتٍ رِضْوانُ اللَّهِ، وآخِرُ الوَقْتِ عَفْوُ اللهِ"، ومَنْزِلَةُ الرِّضَى أعْلى مِن مَنزلةِ العَفْوِ، إذْ كان العَفْوُ لا يكونُ إلاَّ على تَقْصيرٍ، فأمَّا قَوْلُك: سُمِّيَتْ عَصْرًا للتَّأخيرِ، فإنَّما كان يَصِحُّ ذلك لو كان لا يُسَمَّى بالعَصْرِ إلاَّ هذه وَحْدَها، وقد وَجَدْنا صلاةَ الصُّبْحِ سُمِّيَتْ عَصْرًا، وذلك أنَّ داودَ بنَ أبي هْنْد، روَى عن أبي حَرْبٍ بنِ] أبي [الأسْودَ، عن عبد الله بن فَضَالةَ، عن أبيه فَضالة، أنَّ رسول الله، صلَّى الله عليه، قال له: "حافِظْ على العَصْرَيْنِ" قال: وما كانتْ مِنْ لُغَتِنا، قلتُ: وما العَصْرانِ؟. قال: "صلاةٌ قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ، وصلاةٌ قَبْلَ غُروبِها". يُريدُ بِالعَصْريْن صلاةَ الصبحِ وصلاةَ العصر، فإذا كان النَّبِيُّ ﵇، قد سَمَّى الصبحَ عَصْرًا فأينَ قولُك: إنَّها سُمِّيَتْ عصرًا لدُنُوِّها مِن الْمَساء؟ والعربُ تُسَمِّي الغَداةَ والعِشاءَ عَصْرَيْن، والعَصْرُ عندَهم الدَّهْرُ.
1 / 70