وانما نال المشركون في هذه الحياة ما نالوا بقدر اخذهم من سننه تعالى ما فيه عمران هذه الدار وسنته تعالى في كونه لا تحابي احد خالفها ولا تحيف عن احد سلكها كائنا من كان فهي هي لن تتبدل ولن تتغير ولن تجد لسنة الله تبديلا.
فليس التوحيد اذا سببا لشقاء الأولين ولا الشرك سببا لسعادة الاخرين بل لم يزل التوحيد قاعدة اساسية للسعادة الحقة ما قارنه التصديق بما يستلزمه والشرك مثار الشقاء ما قارنه التكذيب الذي يستلزمه.
ولاجل الظاهرتين المتقدمتين اللتين ظهر بهما المسلمون من التعاسة والشقاء والمشركون من السعادة والسيادة انزلق كثير من شبان المسلمين في مهواة الزندقة والإلحاد لعدم رسوخ عقيدة الإيمان الصحيح في نفوسهم ظنا منهم ان ما عليه المسلمون في المشارق والمغارب من الارهاق والاضطهاد انما كان السبب فيها شركهم فطلقوا إسلامهم وهرولوا الغربيين فانقلبوا أعداء ألد للإسلام واخذوا من الغربيين قشورهم وسفاسفهم فاصبحوا كالغراب حاول مشية الحمام فنسي المشيتين معا وقد غلطوا بهذا غلطا فاحشا وحسبوا نور الإسلام نارا، ونار الشرك نورا وهذا لعمري أقصى غايات الجنون.
ان المسلمين لم يصبهم ما اصابهم الا بقدر اخلالهم بمبادىء الاسلام، والغربيين لم ينالوا ما نالوا الا بقدر استصحابهم من شمس جملة فننجو من التعاسة كلها؟ وهل من الواجب ان نأخذ حظنا من السعادة والتعاسة معا سعادة الدنيا الزائفة وعذاب الاخرة أو شقاء الدنيا ونعيم الاخرة أن كان على أنه
(( ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا))
(سورة الإسراء آية 72)
ومما تقدم ندرك حقيقة ان سر التوحيد عظيم ، وانه هو سر الوجود، سر الحياة، سر العمران، سر السعادة الكاملة في الدنيا والاخرة.
Página 7