ان فريضة التوحيد لاتعود منفعتها على الله الغني الحميد، ولو ان البشر كانوا من أولهم الى آخرهم على عقيدة الوثنية لما لحق الله سبحانه من ذلك مقدار ابرة من الاذى. ولكن منفعتها العظيمة انما تعود كلها عليهم لاغير. خلق الله البشر في أرضه، وجعله خليفته فيها، ولا تتم خلافته فيها الا بوحدة الإلاه. فاذا انفرط عقد وحدة الإلاه انفرط عقد وحدة النظام، وإذا أنفرط عقد وحدة النظام حلت الفوضى في العالم محل النظام فجاء الخراب والدمار وهو ما يقع الان في غالب الكرة الأرضية.
ولن يقدر ان يدعي مدع ولو بلغ من السفسطة ما بلغ انه إذا أنفرط عقد وحدة الإلاه لا ينفرط عقد وحدة النظام، ولا ان يقول انه إذا أنفرط عقد وحدة النظام لا تحل الفوضى. فالخراب فالدمار لانه لا يخفى حتى على الصبيان انه لو كانت هنالك شركة من الالهة لاقتضت ارادة كل واحد ان يسير نظام البشر على غير ما اقتضته ارادة الاخر، والا لكان احدهما عاجزا والعجز ليس من أوصاف الألوهية في شيء. واذا فرض كل منهما ارادته فهل تبقى الأرض أرضا والبشر بشرا والعمران عمرانا.
نحن لا نذهب بعيدا فامامنا دول ولكل منها رقعة من الأرض محدودة تدعي عليها السيطرة والقوة الفانية وهل كان مجموع هذه الدول على وفاق تام في جعل نظام واحد للعالم يسير عليه الى حيث السلامة والسعادة؟ اليس كل واحدة من تلك الدول تملي على البقية ارادتها بقدر ما تسمح لها قوتها وتخضع لها الاخرى بقدر ما يضطرها اليه ضعفها؟ وما منشأ التناحر والتطاحن الذي غرقت البشرية في بحا من دمائه لو لم يكن هناك تناقض في الارادات واختلاف في المصالح وتباعد في الأهواء والاميال وتبائن في الغايات؟
ولو كانت هنالك وحدة في القوة فهل يكون اختلال في النظام؟ ولو كانت وحدة في النظام فهل تقع البشرية فيما وقعت فيه الان؟
Página 5