وليس من الحكمة انزال الكتب وحدها على الأمم مباشرة اذ لا تستفيد تلك الأمم منها شيئا الا بواسطة من يبين لها مبهمها ويفصل لها مجملها ويشرح لها ما يعتاص عن فهمها فكان من الحكمة اعداد رجال منها اخصائيين لتلقيها منه سبحانه وابلاغها مبينة الى خلقه كما شاء وأراد.
ولا يخفى ما تستلزم هذه الوظيفة العظمى من الكمالات والصفات العالية من تمام الايمان بالله والصدق والأمانة ورجاحة العقل وسلامة الحواس والخلو من الصفات الناقصة من ضعف الإيمان والغش والكذب وغيرها.
لقد كان من سننه تعالى في الخلق والإنشاء سنة التدرج فقد خلق البشر من آدم وحواء عائلة واحدة فأسر فقبائل فشعوبا فأمما
( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون))
( سورة النساء 1 )
وكان ارسال وانزال الكتب على مقتضى هذه السنة التدريجية يرسل الرسل الى اسرة فقبيلة فشعب فأمة وينزل الكتب صحفا فصحفا وكتبا فكتبا وكان يتدرج التشريع بها حسب تدرج الحياة وحاجيات البشر على أساس أغلبية المصلحة على المفسدة.
وكان البشر في هذه الحياة قافلة في مفازة طويلة قسمت طريقها الى مراحل ولكل مرحلة قائدها وكلما قطع قائد مرحلته بامته قام قائد آخر بقيادتها في مرحلته وهكذا وأول مرحلة في حياة البشر عهد أبينا آدم عليه السلام وآخر مرحلة لها عهد نبينا محمد عليه السلام الى يوم القيامة وقائد المرحلة الأولى هو الأول وقائد المرحلة الأخيرة هو الثاني.
Página 12