وبعد يابني وولدي: فهذه وصيتي لكم واختياري، حين كبرت سني وجربت الأمور وأدبر عمري، وأشرفت على الرجوع إلى صانعي وإلهي وخالقي، وخفت أن يحول الموت الذي لا بد منه لكل مخلوق بيني وبينكم، فتبقوا أغمارا جهلاء بما فيه رشدكم، وألا تجدوا بعدي من يفهمكم ما فيه صلاحكم، في أموركم ومعايشكم، لما سترون من اختلاف أخبار الناس عليكم في الأديان، ومصالح المعاش والآداب، وأخبار البلدان، واختلاف الناس في هذا كله قليله وكثيره إنما هو باتباع أهوائهم، واختلاف عقولهم وآرائهم، وما قبلوا من غي أو رشاد أو خطأ، والخطأ الغالب عليهم من آبائهم، إذ حقت الفرقة لكم بالوفاة، وأن تبقوا بعدي بين قرابة وعامة أكثرهم جفاة، وكنتم أحداث الأسنان، لم تخبروا حوادث الدهر والزمان، ولم تفهموا أمور الناس واختلافهم في الأديان، ولا كيف التأني في المعائش ومصالح الإنسان، وما يحسن من الأمور والأخلاق، ومواضع البلغ والإرفاق.
فرأيت يابني إن أضع لكم إن أبقاكم الله ما تحتاجون أعظم الحاجة في أصول الدين طرفا، وأن أرسم لكم الصواب إن شاء الله تعالى، وبعون الله وهدايته، في أمر معايشكم والإختيار لكم، ولمن لعل الله أن يهبكموه من نسل بعدكم.
ومن قبل وصيتي من ولد جدكم القاسم بن إبراهيم رحمة الله عليه يزول به عنكم شكوك الحيرة، وتكفون به إن شاء الله في الإختيار والإعتبار، والإعتبار طول الأمد في التجارب والخبرة ولم أضع لكم ما وضعت من وصيتي إياكم في هذا الكتاب إلا بعد طلوعي في العمر على الستين سنة.
Página 25