[ذكره عليه السلام هجرة والده القاسم عليه السلام ]
فأقرب من به في ذلك تقتدون وبفعله في الهجرة عن القرى والمدن تأنسون، جدكم الأقرب أبي وأبوكم القاسم بن إبراهيم رضي الله عنه ورحمه، وقبل عزلته وهجرته منه، وقد كان رحمه الله زمانا طويلا من عمره بالمدن مدن الحجاز ومدينة مصر ساكنا داعيا إلى طاعة الله، فلما لم ير في أهل القرى والمدن إلى طاعة الله ربه وحقه ومرضاته مستجيبا، ولم ير فيها إلا غرقا في الجهل والمعاصي لا تائبا إلى ربه ولا منيبا، ورأى القرى والمدن أصل كل منكر وضلال، وتجمع الفجار والفساق والأرذال الدناة والأفسال([16])، تبرأ إلى الله منهم، وهاجر إلى البادية والجبال عنهم، فوفقه الله للصواب في ذلك وأرشده، وأراه له الخيرة في دنياه وأسعده، فخلا بنفسه وأهله وولده، وجرى حكمه عليهم وعلى من تحت يده، فصار نظرا واختيارا، بعد أن أحاط بالمدن والقرى وأهلها اختبارا إلى بادية المدينة وجبالها، وتنحى عن المدينة وأهلها وحل في جبل من باديتها يسمى قدسا([17])، فكان به حينا وكنا به معه أطفالا صغارا، لا يعاين فسقا ولا فجورا ولا منكرا، ثم انتقل إلى (وادي الرس) وجباله، فكان خاليا فيه بولده وعياله، ما أمرنا فيه من أمر أطعناه، وما عرفنا في الدين من حق أو قول في الهدى والصواب قبلناه.
Página 60