هنا دوى الانفجار، وأحس بدفعة قوية من الهواء الساخن، والغبار يجتاح قطية القش ويلفح وجهه، حتى إن حائطها راح يترنح وهو يصدر صريرا مزعجا، بينما راح التراب يتساقط من السقف.
كانت أمه تحمل أخته على كتفها بيد، وباليد الأخرى راحت تدفعه أمامها، وعلى عينيها ارتسمت نظرة رعب لم يرها في حياته، حتى إنه شعر بالذعر هو نفسه. - «أمي ماذا يحصل؟»
كانت تجري في جنون، وهي تندفع نحو غرفة المطبخ، وتردد بصوت مرتجف: «استر يا رب، استر يا رب.»
صوت الهدير من الخارج يزداد قوة وصخبا، وشعر أنه يصدر من كل مكان، وفي كل مكان في نفس اللحظة. تأثير الدولبي الشهير الذي يعرفه السينمائيون، حتى إنه بدأ يشعر بالصوت يتخلله، وتهتز له عظام جسده ذاتها:
أصوات الصراخ في الخارج تلك:
أيها الناس نحن من نفر، عمروا الأرض حيث ما قطنوا
يذكر المجد كلما ذكروا، وهو يعتز حين يقترن
في المطبخ وفي الركن الملاصق للحائط كانت هنالك طاولة طينية تستعملها والدته؛ لوضع أدوات المطبخ عليها، كان قد ساعد والده في بنائها قديما، لقد بنوها بالطين المحروق، حتى إنها أصبحت صلبة كالإسمنت، دفعته أمه تحت الطاولة، وحشرت نفسها بجواره، وهي تحتضن أخته في قوة، كانت تضمها لصدرها بيدها، بينما تطوقه إليها بيدها الأخرى.
وأحس بجسدها يرتجف بقوة إذ تضمه اليها. - «لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، يا رب سترك!»
لم يكن يفهم ما يحدث، لكن رعب والدته جعل عدوى الرعب تنتقل إليه تلقائيا، وأحس بدقات قلبه تتسارع، حتى إنه كان يسمعه بوضوح.
Página desconocida