والعقاد أديب له شهرته العريقة في عداوة شوقي والزراية بأدبه وفمه، فما يعرف أدباء العربية أحدا كان أبلغ عداوة لشوقي أو أحد لسانا في نقده من العقاد!
ولكن العقاد لم يكد يفرغ من قراءة مقالة الرافعي في المقتطف، حتى تناول قلمه ليكتب كلمة يرد بها رأي الرافعي في نقد هذا البيت ويعتذر عن شوقي ... وكان للعقاد نصيب من التوفيق فيما كتب!
ليت شعري! أفعلها العقاد دفاعا عن شوقي وهو من هو في عداوته؟ أم تحديا للرافعي ...؟
أفلم يجد العقاد في بضع عشرة صفحة يكتبها الرافعي مباهيا بشوقي، مفاخرا بأدبه وفنه وعبقريته، شيئا يستحق الرد والتعليق غير هذه الكلمة؟ هذا سؤال سألته نفسي يومئذ، وأحسب أن كثيرا من القراء سألوه أنفسهم، ولكن جواب هذا السؤال معروف لكل من يذكر ما كان بين الرافعي والعقاد، ثم ما كان بين العقاد وشوقي منذ قريب!
وقال لي الرافعي: «ماذا ترى فيما كتب العقاد؟»
قلت: «أنا وهو على رأي واحد فيما يرد به !»
فمط شفتيه ساخرا وهو يقول: «أخطأت، وأخطأ العقاد، وأخطأ المتأخرون من علماء النحو في العربية ... ليس الرأي ما يقول العقاد وتوافقه عليه ...»
وتملكه عناده وكبرياؤه، فأنشأ مقالة طويلة مسهبة يرد بها رأي العقاد ويصر على تخطئة شوقي في رفع جواب الشرط من هذا البيت، ويتهم المتأخرين من علماء النحو بالغفلة وقلة البصر بأساليب العربية، ثم يفيض ويسترسل في بيان الأوجه التي يجوز رفع جواب الشرط فيها، وما يصيب منها وما يخطئ.
وإذا لم يكن لي في هذا المجال أن أصرح بالرأي فيما كتب الرافعي في هذا الموضوع، فإن لي أن أرد كل شيء إلى أسبابه فأزعم أن الرافعي لم يكتب ما كتب خالصا لوجه العربية، ولكنها الكبرياء والاعتداد بالنفس وخوف الهزيمة أمام العقاد في معركة أدبية ...!
ولست أكتم هنا أن الرافعي كان يسيء الظن بفهم العقاد لقواعد اللغة؟ فما يرى شيئا من مثل ما كتب في ذلك الموضوع مما يشير إلى بصره بقواعد العربية إلا اتهمه بأنه يستعين فيه بأصدقائه من أهل العلم بهذه اللغة، وأحسبه قال لي مرة: إن الذي يعين العقاد في ذلك هو صديقه الأستاذ عباس الجمل!
Página desconocida