ذلك حديث الرافعي ... فهل كان هذا حسبه من العذر فيما كتب؟
على أن كثيرا من قراء «على السفود» يضعونه في غير هذا الموضع الذي أضع، مؤمنين بأن في الأدباء طائفة لا يمكن مناقشتها إلا بمثل أسلوب على السفود! •••
انتشر كتاب «على السفود» وتناوله القراء على أن كثيرا منهم لم يعرف كاتبه إلا بعد سنين ... وكان في هذا خير للرافعي ولسمعته الأدبية ولمكانه من نفوس القراء؛ إذ كان العقاد يومئذ هو كاتب الوفد الأول، والوفد هو الأمة كلها، قراؤها وعامتها وشيوخها وشبابها، فكان العقاد بذلك هو عند الشعب إمام الكتاب وأمير الشعراء، لا يعاديه إلا خارج على الأمة أو مارق من الوطنية، ولو كانت عداوته في مسألة أدبية لا تتصل بالسياسة، ولو كانت مناقشته حول إعجاز القرآن. •••
ثم كانت هدنة بين الرافعي والعقاد، صمت فيها الخصمان طويلا وكل منهما يتربص بخصمه ليضربه الضربة القاضية، حتى كان خريف سنة 1932.
مات المرحوم شوقي في أكتوبر سنة 1932، فاهتزت لموته المجامع الأدبية في مصر والشرق، فما تجد من كاتب أو أديب من أبناء العروبة إلا اهتم لهذا النبأ واحتفل به، وتهيأت «المقتطف» لكتابة فصل أدبي عن أمير الشعراء فأفرغت بضع عشرة صفحة من العدد الذي كان موشكا أن يصدر، وأبرقت إلى الرافعي في طنطا أن يكتب هذا الفصل ويرسله إليها في أيام قبل أن يتم طبع العدد.
ولم يكن بين الرافعي وشوقي من صلات الود ما يتيح له أن يعرف شيئا من حياته يعينه على دراسة أدبه، ولا كان الرافعي مستعدا لهذه الدراسة ، ولا تهيأت له من قبل أسبابها ودواعيها لينشئ موضوعه على الوجه الذي يرضاه في ذلك الوقت العاجل، وإن الرافعي لكثير الأناة والتأنق فيما يكتب، فلا يبدأ في إنشاء موضوعه حتى يخلي له فكره أياما وليالي، يبحث ويوازن، ويزاوج ويستنبط، ثم يتهيأ للكتابة وقد استوى الموضوع في فكره كأنما قرأه لساعته في كتاب، ولكن كل أولئك لم يمنع الرافعي أن يجيب محرر المقتطف إلى ما طلب ويرسل مقاله في الموعد المضروب، وكانت دراسة أعتقد أن أحدا من كتاب العربية لم يكتب مثلها عن شوقي أو يبلغ ما بلغ الرافعي بمقاله، فأنصف شوقي، وجلى عبقريته، وكشف عن أدبه وفنه ومذهبه، دع عنك بعض هنوات قليلة لا تغض من قيمة هذا البحث الفريد.
وكان مما أخذ الرافعي على شوقي وسماه غلطات في النحو أو اللغة، أن شوقي أخطأ في رفع جواب الشرط من قوله:
إن رأتني تميل عني كأن لم
يك بيني وبينها أشياء!
وهي هناة صغيرة قد يجد لها بعض العلماء بقواعد العربية وجها من التعليل وبابا من العذر.
Página desconocida