Vida del Pensamiento en el Nuevo Mundo
حياة الفكر في العالم الجديد
Géneros
الذي بسط وجهة نظره في بحث مشهور عنوانه «حرج التمركز الذاتي»
8
يهاجم به المذهب المثالي وما ينحو نحوه، في قوله بأن وجود الشيء معتمد على إدراكنا له، أو إدراك العقل له، أيا كان ذلك العقل، وبغير هذا الإدراك العقلي للشيء لا يكون له وجود، فيرد «بري» على ذلك قائلا: نعم إنه محال على إنسان بشري أن يدرك شيئا معينا بحواسه أو بفكره دون أن يكون إدراكه هذا قائما بالنسبة لشخصه، إنه لا خلاف في ذلك مهما يكن المذهب الذي ينتمي إليه الفيلسوف، فلا اختلاف في الرأي هنا بين واقعي ومثالي؛ لأننا نقول بديهية إذ نقول: إن الإنسان وهو مدرك لشيء ما، يكون مدركا لذلك الشيء في علاقته به، وكيف يكون الأمر غير ذلك، ما دام الإنسان وهو مدرك للشيء بحواسه أو بفكره، تكون الحواس حواسه هو والفكر فكره هو؟ لكن سؤالنا هو هذا: هل يقتضي ذلك أن يكون «وجود» الشيء متوقفا على كونه مدركا عند فرد أو أكثر من الناس؟ ألأننا لا نستطيع أن نتحدث بعضنا مع بعض إلا في حدود أفكارنا التي في رءوسنا عن الأشياء التي أدركناها، أو بعبارة أخرى، لا نستطيع تبادل الحديث عن الأشياء إلا إذا حولناها إلى أفكار في رءوسنا، نستنتج بالضرورة ألا وجود للأشياء إلا على صورة أفكار في رءوسنا؟ كلا، فكل ما في وسعنا استنتاجه من ذلك هو أننا لا نستطيع «ذكر شيء إلا بعد أن يتحول عندنا إلى فكرة»، لكن ذلك لا يعني البتة «ألا وجود إلا لأفكارنا»، فالتمركز في الذات إنما يتناول «الفكر» لا «الوجود الشيئي»، فعن «الفكرة» نقول بغير شك إنها لا تكون إلا بإدراكنا لها، أي لا توجد إلا بتفكيرنا فيها؛ لأننا عندئذ لا نقول في الحقيقة شيئا أكثر من تكرارنا للموضوع الواحد مرتين، فكأننا نقول: «لا يكون التفكير إلا إذا حدث التفكير»، أما عن «الوجود» بالنسبة للشيء الذي هو موضوع التفكير، فالأمر جد مختلف؛ لأنه يكون موجودا إذا أدركناه، ويكون موجودا إذا لم ندركه على حد سواء .
9
إن «بري» ليرفض أن يسلم بأية وجهة من وجهات النظر، يكون من شأنها أن تعلق وجود الشيء على علاقة الإنسان به، ومن هنا وجه النقد كذلك إلى المذهب الپراجماتي، إلى الحدود التي يكون فيها هذا المذهب صنو المثالية في تعليق الوجود على الإنسان المدرك؛ فهو لا يقبل - مثلا - من البراجماتية أن تقول - والقول هنا لوليم جيمس - إن معرفتنا تخلق الواقع،
10
على اعتبار أن الواقعة المعينة لا تعني إلا ما استخدمها به استخداما يحقق صالحي، لكن «بري» لا يرضى عن مثل هذا الاتجاه الذي إذا سار فيه صاحبه إلى آخر الشوط، انتهى به الأمر إلى نسبية مطلقة لا تترك حقيقة واحدة ثابتة في ذاتها، فستتغير الحقائق العقلية بالنسبة لتغير الناس واختلاف مواقفهم وظروفهم - ولا يمانع «بري» في هذه النسبية
11 - وستتغير كذلك طبائع الوقائع الخارجية نفسها، أي سيتغير الوجود الخارجي، بتغير الأشخاص واختلاف أنظارهم وأفكارهم ومصالحهم، وذلك ما لم يقبله «بري» بحال من الأحوال.
إلى هنا لم نقل شيئا عن «بري» سوى ما وجهه من نقد إلى المثالية والبراجماتية على السواء، وكان مدار نقده لكلتيهما هو إصراره على أن يظل للشيء الخارجي وجوده المستقل عن معرفة الإنسان إياه، لكن ل «بري» رأيا إيجابيا إلى جانب نقده السلبي، ويبدأ «بري» عرض مذهبه الإيجابي هذا - كما هي العادة عند الكثرة الغالبة من فلاسفة العصور الحديثة - بالبحث في نظرية المعرفة،
12
Página desconocida