أرسلت الرسالة مع خادمي وبعد برهة عاد إلي بظرف قائلا: «تقول لك: مارسي.» فضضت الظرف فوجدت فيه الورقة المالية مردودة وحدها ولا حرف معها من إيفون. ففار دم الغيظ حتى تدفع في رأسي وكاد يجنني.
صممت أن أغفلها لظني أنها لا تصبر على إعراضي طويلا، فلا بد أن تستدعيني وإلا فيكون حبها قد فتر، وفي هذه الحالة يجب أن أنساها.
لم أزرها في ذلك المساء ولا في اليوم التالي، فكنت هائما كالمجنون، ولكني أعلل النفس بأنها لا بد أن ترسل إلي رسولا أو رسالة، فكنت أذهب إلى البيت فأسأل: «هل أتى أحد فسأل عني؟» فلا أسمع غير «لا» جوابا، ثم أنتظر البريد فأفتشه رسالة رسالة فلا أجد فيه رقعة منها، كنت أطوف الملاعب كل مساء آملا أن أراها في واحد منها فأعود خائبا، ثم أذهب حول منزلها فأرى النور شاعا من نوافذه، مرة واحدة رأيت اثنين يصعدان إليه فكدت أذوب من الغيرة، وهممت أن أتبعهما وأدهورها عن الدرج، ولكن عاد إلي صوابي فاسترددت حلمي.
مضي علي يومان بعد المساء الذي زرتها فيه وأنا أتوقع خبرا، أو كلمة أو رسولا منها فخاب رجائي ونفذ صبري، ولم أعد أطيق الإعراض عنها، فخطر لي أن أذهب وأرتمي عند قدميها وأتوسل إليها أن تفعل بي ما تشاء غير إقصائي عنها، ولكن نفسي الشماء أبت علي هذا الهوان، بل خفت أن تذللي هذا يطعمها بي لا يشفقها علي.
وأخيرا آثرت أن أستفزها إلى استدعائي لأجل مناقشتي، فكتبت رسالة هذا نصها:
حضرة السيدة إيفون
لم يبق عندي شك بأنك كنت تموهين علي في بيان السبب الذي حملك على مجافاتي، وقد أفقت من جهلي وفطنت إلى أن عهد أمثالك أثبت من الندى في أيام الهجير، وأبقى من الظلمة أمام النور، وأن أقوالهن أصدق من كلام المنجمين، وأحق من دعوى الجاهلين، وددت أن أرفعك من وهدة هوانك فأبيت، ورغبت أن أجدد هناءك فرفضت، فعودي إلى الحمأة التي انغمست فيها فإنك أجدر بها.
موريس
وبعد إذ ألقيت الرسالة في صندوق البريد راجعت مسودة ما كتبت، فعضضت أصابعي ندما؛ لأني رأيته عنيف اللهجة جدا فهممت مرارا أن أسبق الرسالة إلى إيفون، واعتذر لها عنها سلفا، ولكني تذكرت جفاءها وفتور مقابلتها الأخيرة لي فحمي غضبي.
ورأيت أن لي عذرا فيما كتبته، وتوقعت أن تستدعيني؛ لكي تقابلني وتستدعيني إلى حبها فلم تفعل، مللت هذا التوقع حتى لم يعد لي صبر عن زيارتها، ولكن في مساء اليوم التالي ورد إلي ظرف معنون بخط يدها، وما تهللت إلا بقدر أن فضضته فوجدت رسالتي نفسها مردودة إلي فقلبتها لعلي أجد فيها كلمة منها، فخاب مؤملي فتشت الظرف ثانية فوجدته خاليا ، كاد مرجل غيظي ينفجر، وأخذت غيرتي على إيفون تتحول إلى بغضاء شيئا فشيئا، وصارت نفسي تحدثني أن أسعى إلى الانتقام منها ونكايتها، بيد أني صبرت بضعة أيام آملا أن تسأل عني فلم تفعل.
Página desconocida