114

Guerra y Paz

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

Géneros

ألف شكر يا صديقتي العزيزة على الكتاب الذي أرسلته لي، والذي هو في أوج رواجه عندكم. ولما كنت تنوهين بأنه يحوي، بين العديد من الأمور الطيبة التي فيه، على شئون لا يستطيع إدراكنا البشري بلوغ مداها، فإنه يبدو لي عبث الاستغراق وضياع الوقت في قراءة يصعب فهمها، يمكن أن تكون نتيجتها عديمة الجدوى. إنني لم أفهم قط سبب الولع الذي يبديه بعض الناس في تشويش مداركهم بالتعلق ببعض الكتب اللاهوتية التي لا تخلع على نفوسهم إلا أطيافا من الشكوك والارتياب، فيسمو خيالهم ويعطيهم نفسية متعنتة متطرفة، تتناقض مع البساطة المسيحية، لنقرأ الأسفار والإنجيل وأقوال الرسل، ولنترك البحث في محاولة التعمق فيما وراء ذلك من أسرار؛ لأننا لا يجوز لنا - ونحن الخاطئون الحقيرون - أن ندخل أو أن نزعم أننا نستطيع الدخول في الأسرار الرهيبة المقدسة التي اختصت بها القدرة الإلهية، طالما أننا نرفل في ثوبنا الجسدي الذي يرفع بيننا وبين الواحد الأزلي ستارا لا يخرق، فلنكرس جهودنا إذن لدراسة المبادئ السامية التي خلفها مخلصنا الرباني وراءه لتكون سنتنا على هذه الأرض، ولنسع في إجادة القدوة وتأثر خطاه الشريفة، ولنضع نصب أعيننا أننا كلما اعتدلنا في إرهاق فكرنا البشري الضعيف، كان ذلك أكثر تقبلا من الله ورضوانا منه؛ لأن الله يستبعد كل علم لا يبلغ بالمرء إليه، وإننا كلما حاولنا التعمق في الأمور التي طاب له أن يبعدها عن نطاق معرفتنا، أسرع في تقريبها وكشفها بروحه السامية.

لقد حدثني أبي عن الزوج المنتظر، لكنه لم يسهب، بل اكتفى بالقول إنه تلقى رسالته وإنه ينتظر الأمير بازيل. أما رأيي في مشروع الزواج الذي يتعلق بي، فإنني أعتقد بأن الزواج سنة ربانية ينبغي على المرء أن يخضع لها، وإنني واثقة من أن الله القدير، إذا فرض علي واجب الزواج والأمومة، فإنه سيعطيني القوة الكافية لأداء تلك الواجبات بكل ما في طاقتي من إخلاص، دون أن أبالي بالاختبار الذي ستجتازه عواطفي حيال الشخص الذي سيصبح زوجي.

لقد تلقيت رسالة من أخي يعلمني فيها بأنه سيحضر إلى الجبل الأقرع مع زوجته، لكنها ستكون بهجة قصيرة الأمد؛ لأنه سيغادرنا بعدها ليشترك في الحرب التعسة التي اندفعنا فيها، والتي لا يعلم إلا الله كيف ولماذا اشتركنا فيها، والحديث عن الحرب لا يقتصر على وسطكم الحافل بالأعمال والمنتديات، بل إنه تعداه إلينا وسط أعمال الحقول وهدوء الطبيعة، كما يتصور أهل المدن حياة الأرياف. إن الحديث عن الحرب قد بلغ إلينا وأحدث أثره السيئ الأليم، وأبي لا يتحدث إلا عن هجوم وهجوم مضاد، وما إلى ذلك من أمور لا أفقه منها شيئا! وأمس الأول، بينما كنت أتنزه في شارع القرية كعادتي، وقعت أبصاري على مشهد أليم مروع؛ لقد شهدت بأم عيني قافلة من المجندين الذين أدخلوا في أسلحة الجيش يغادرون القرية إلى مراكزهم التي تنتظرهم ، ولو أنك شهدت مثلي حالة أمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم؛ أولئك النساء الملتاعات اللواتي شهدن ذهاب رجالهن إلى الحرب، وهن ينتحبن ويبكين، لاعتقدت معي أن الإنسانية نسيت قوانين مخلصها الرباني الذي بشر بالمحبة والعفو عن الإساءات؛ تلك الإنسانية التي باتت تتنافس بينها وتتسابق في التقتيل والتدمير.

وداعا يا صديقتي الطيبة العزيزة، وليحرسك مخلصنا الرباني وأمه الشديدة القدسية برعايتهما القوية المقدسة.

ماري

قالت الآنسة بوريين الضاحكة بصوتها الرخيم الألثغ: آه! هل ترسلين رسالة يا أميرة؟ لقد أرسلت بريدي، لقد كتبت إلى أمي المسكينة.

كانت المرافقة، الآنسة بوريين، فتاة لعوبا تجر في أعقابها عالما من المرح والبهجة يبدد الجو الثقيل المشحون بالأسى الذي تعيش الأميرة فيه.

أردفت الآنسة بوريين، وهي تخفض صوتها: ينبغي أن أخطرك يا أميرة أن الأمير تعرض اليوم لنقاش حاد مع ميشيل إيفانوف، وهو الآن متعكر المزاج شديد التضجر والتبرم، وقد رأيت أن من واجبي أن أخطرك بالأمر.

كانت الآنسة بوريين تجد لذة فائقة في التحدث عن مزاج الأمير، حتى إنها عندما كانت تروي للأميرة ماري موضوع النقاش، كان صوتها الرخيم العذب ينطق بالسرور الفائق، غير أن الأميرة لم تكن من رأيها؛ إذ قالت تجيبها: آه يا صديقتي العزيزة! لقد رجوتك من قبل ألا تحدثيني أبدا عن مزاج أبي والحالة النفسية التي يكون عليها، إنني لا أسمح لنفسي أن أنتقده ولا أريد أن يفعل غيري ذلك.

وألقت الأميرة نظرة إلى المنبه، أنبأتها بأنها قد تأخرت خمس دقائق في تطبيق برنامجها العملي، فانطلقت إلى البهو بوجه فزع؛ فقد درجت عادة الأمير على نشدان الراحة من الظهر وحتى الساعة الثانية، وكان على الأميرة ماري أن تمضي ذلك الوقت في دراسة الموسيقى الوترية وتطبيق دروسها على «البيان» الذي في البهو.

Página desconocida