انفتحت شهيته للكبد. أدرك أنه ينساق في طريق مجهول العواقب، وأنه يمضي مدفوعا بقوة في داخله قبل أن تكون في الجانب الآخر من الحارة. وزنت محاسن له رطلا ولفته في ورقة، ثم قالت ببساطة: خذ يا سنى!
سر بدعابتها واعتبرها تحية. إنها تذكره - برشاقتها وثراء أعضائها وغمقة سمرتها - بفقيدته التعيسة مهلبية، وتذكره بالتالي بنكوصه المزري عن نجدتها وبآلام الماضي الحزين. ولكنه ما زال يكابد الحياة، وربما كابدها طويلا تحت المطرقة. وكما طرح الموت ظله عليه تشبث أكثر بأهداب الحياة.
ومن ناحيتها كانت محاسن تبتاع منه العدس والفول والحلبة. خذ يا سنى هات يا سنى. خذي يا ست محاسن. خذي يا ست الكل. لم يجاوز الاحتشام في تعامله معها. لعلها قرأت في عينيه أكثر مما يقول أو يفعل. لعلها عجبت أيضا لما ينفرد به من سلوك طيب.
وعلى جانبي الحارة، وبعيدا عن أي شبهة، نضجت عاطفة قوية.
24
عقب صلاة العصر تعمد أن يشير إلى سيرتها في حديث له مع إمام الزاوية: أهي وحيدة يا مولانا؟ - كلا، إنها تعيش مع أم عجوز ضريرة. - ولا أهل لها سوى ذلك؟ - قتل أبوها في خناقة، ولها أخ في الليمان. - أظنها في العشرين، فلم لم تتزوج؟
فاستغفر الإمام وقال: كانت أمها سيئة السمعة! - ولكن هل البنت؟
فقاطعه الشيخ بصدق: لا غبار عليها والله أعلم!
زكاها عنده زهد الآخرين فيها. ليس الغريب المطارد بالصالح للمنافسة، الزواج يؤصله في المكان ويجلب له الثقة. وهي خير من أخرى ذات أهل يهمهم أن يعرفوا الأصل والفصل. وأهم من ذلك كله لم لا يعترف بأنه يرغب فيها بكل شبابه؟
25
Página desconocida