ومثل ذلك ما فطر الله عليه الحواس من الحس مما لا يكون اختيارا للإنسان؛ من ذلك أن الله تعالى قد فطر الأذن على سماع الأصوات مما يريد الإنسان سماعه ومما لا يريد سماعه، ألا ترى أن الإنسان إذا لم يرد سماع صوت لم يمكنه ذلك إلا أن يسد أذنه أو يبعد عن المصوت. وكذلك البصر فإنه لو فتح عينيه وقباله شيء مما يرى بالأعيان لرآه ولو لم يرد بصره، ولا يمنعه من بصره إلا أن يغمض عينيه عنه؛ ولأجل ذلك أن الإنسان إذا فاجأه شيء مما لا يحل له نظره فنظره مفاجأة فلا إثم عليه في النظرة التي لم يقصدها ولم يتعمدها، وكذلك الشم والذوق، هذا ما لم يكن للإنسان فيه صنع، فأما ما تعمده الإنسان وقصده من استعمال الحواس والقلب والجوارح، فهو عرض اختياري من فعل الإنسان.
والذي يدل على أن الحس عرض أن الإنسان إذا نام لم تحس حواسه شيئا، وأيضا فإن الحس لا يقوم بنفسه، فصح أنه عرض لبطلانه ولكونه قائما في سواه.
والاختياري أيضا على أفنان: فمنه فعل القلب الاختياري الذي هو العقل المكتسب مثل النظر، والتمييز، والاستنباط، والنية، والاعتقاد، وأشباه ذلك، فهذه أعراض من فعل العبد.
Página 89