137

وكذلك فعل طالوت حيث بعثه النبيء شمؤول، حيث مر على النهر فقال: من شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني؛ ولأنه لما خرج لجالوت وكثر جنده -وكان منهم الصادق والمنافق- فخشي أن يتواكنوا ويفشلوا ويتنازعوا في الأمر فينكسروا، فينكسر ولا يبلغون في عدوهم مبلغا، فأراد أن يتميز بعضهم من بعض فامتحنهم بالنهر، وعلم أنه من صبر منهم على الظمأ فهو يصبر على [الحروب و]القتل، ومن لم يصبر عن الماء لم يصبر في الحرب. وكان أيضا لا يمكنه تمييزهم إلا بما فعل، ومثل ذلك كثير موجود في أفعال العقلاء، قال الشاعر:

يدق على الأفكار ما أنت صانع

فيترك ما يخفى ويؤخذ ما بدى

فإذا كان في أفعال الناس ما يدق على بعضهم -وكان ذلك حسنا- كان ذلك في فعل الله أولى.

وقد جهل هذا المعنى أصحاب مطرف بن شهاب، فنفوا عن الله تعالى خلق بعض هذه الأشياء التي يستقبحها الناس، مثل نقصان الخلق، واحتجوا بقول الله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }[التين:4]، وقالوا: لم يقصد الله الخنثى لكونها خنثى، وكذلك من ولد أعمى، أو مقعدا، أو أصم، أو بغير يدين، وقالوا: ذلك من العوارض وليس بقصد من الله وعمد. وكذلك خلق الدود وشبهه. وقالوا: إن الله قد فطر الأشياء؛ تحيل وتستحيل، ونسبوا ذلك إلى الفطرة والعوارض. وقد قدمنا الكلام في أن الجمادات لا فعل لها. ولو صح ما قالوا لكانت الفطرة مشاركة لله في الصنع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

Página 196